عبدالغني القش

أمانات المدن تشجع على التدخين!

الجمعة - 15 سبتمبر 2017

Fri - 15 Sep 2017

إن أسباب فرض قوانين منع التدخين تقوم على حقيقة أن التدخين عملية اختيارية، بينما التنفس ليس كذلك؛ فالهواء من حق الجميع. فتمت صياغة قوانين حظر التدخين لحماية الأفراد الذين يستنشقون الهواء من تأثيرات التدخين السلبي، والتي تشتمل على زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب السرطان والرئة، وأمراض أخرى.

كما قامت العديد من الدول بصورة أو بأخرى بسن قوانين لحظر التدخين في الأماكن المغلقة على مر السنين الماضية، وتبعهم بعض المشرعين، حيث قاموا بنقل الدليل العلمي الذي يثبت أن تدخين التبغ مضر للمدخنين أنفسهم ولهؤلاء الذين يستنشقون الدخان المنبعث منهم، وهو ما يعرف بالتدخين السلبي.

ومن أسف أن أمانة المدينة المنورة تراجعت عن منع التدخين وبخاصة في مناطق الازدحام الشديد، بعد أن منعت بيع وبحزم التدخين في زمن قريب، ولكنها تراخت شيئا فشيئا بحجج أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير مقنعة. فصار يباع بجوار المسجد النبوي الشريف وما يحيط به؛ في حين أن المدينة تعطرت بأنفاسه صلى الله عليه وسلم، فكيف لنا أن نلوثها بهذه السموم المنبعثة جراء التدخين؟

ومن المضحك المبكي قولهم إن قرار المنع أوجد سوقا سوداء، وهذا في تصوري دليل على نجاح الخطوات التي أريد منها منع التدخين، وهذا يجير للأمانة وللقائمين عليها في وقت سابق، وبدلا من أن يجد ذلك الثناء وإزجاء الشكر تكون النتيجة عكسية من كيل اتهامات وتنديد واعتراض!

ومن المؤلم أن تكون مداخل مدننا تعج بأماكن تقدم الشيشة والمعسلات، وكذلك محلات بيع الدخان، وكأن ذلك يمثل قيمنا وحضارتنا، وهي بذلك تشجعه بلسان الحال، وهي رسالة أخرى إلى الأمانات أن تعيد النظر في منح الرخص في مثل هذه المواقع التي يفترض أن تعطي صورة لحضارة المدينة أو المحافظة من مجسمات جمالية وبوابات راقية وغيرها.

وأما رفع أسعار الدخان فقد كان مطلبا ملحا، وكان يمثل أمنية عند العقلاء؛ فعندما تكون الأسعار منخفضة، فإنه يتاح لكل أحد شراء هذا السم -حتى الأطفال- وهذا أمر مشاهد، وأما غيرهم ممن يغلبه هواه ولا يستطيع كبح جماح نفسه، فإنه سيشتري كمية مضاعفة، وهذا من البداهة بمكان، ومع ذلك ما زال البعض يندد بالقرار في تصرف عجيب!

إن جائحة التدخين تستوجب تكاتف الجميع؛ فقد انتشرت انتشار النار في الهشيم، وعمت الأوساط جميعا أطفالا ورجالا ونساء، وبالتالي، فإن من الواجب المتحتم على حكماء المجتمع الوقوف ضدها وقفة رجل واحد، بإيجاد الحلول الناجعة والسبل المتاحة التي من شأنها زوالها أو تقليصها على الأقل.

وكم هو جميل أن تحارب دول عديدة التدخين وتحظره في الأماكن العامة وتفرض غرامات مالية كبيرة على المدخنين (وصل إلى فرض عقوبة السجن) فها هي دولة الإمارات تقر قانونا اتحاديا بشأن مكافحة التدخين يفرض الحبس وغرامة تصل إلى مليون درهم، أما من يدخن في سيارته الخاصة في الإمارات، وبجانبه طفل، فإنه سيواجه عقوبة مشددة قد تصل في بعض الحالات إلى الغرامة المالية بمبلغ مليون درهم إماراتي، وتمنع قطعيا الدعايات لهذا الداء.

وهنا لا بد من الإشادة بما صدر من سن عقوبة على من يدخن في مطاراتنا، ويرجى تطبيقها بصرامة، كما نتمنى تعميم ذلك على كل من يدخن في الأماكن العامة، وهو أمر مطبق في بلدان مجاورة ودول عربية وأوروبية كثيرة، وكم يتمنى المرء أن يأتي اليوم الذي يتم إعلان بلادنا الغالية أنها خالية من التدخين، وهذا بلا شك سيزيد صورتها بهاء ومكانتها رفعة، فهل تتحقق الأمنية؟

[email protected]