ملتقى البدانة في لندن

الجمعة - 08 سبتمبر 2017

Fri - 08 Sep 2017

في كل عام تستضيف إحدى عواصم العالم الملتقى السنوي للاتحاد العالمي لجراحات البدانة، يتم اختيار المدينة المنظمة في اجتماع الجمعية العمومية والذي يمثل مندوبوها أكثر من أربعة آلاف جراح من سبعين دولة، يحدث ذلك قبل الموعد المحدد بأربعة أعوام، ليتسنى للمضيفين الإعداد بشكل جيد. هذا العام كانت لندن هي المدينة المستضيفة لهذا الحدث الطبي السنوي، ولأنها لندن فقد تشجع بعضنا لحضوره رغم التوقيت غير الملائم في يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك. كنا نعلم أهميته هذا العام، فالكثير من الأبحاث والدراسات التي أعلن عنها قد مر عليها عام منذ لقائنا الأخير في البرازيل، نحن أيضا على موعد جديد مع أبرز المستجدات في البدانة والأمراض المصاحبة لها بحضور عدد كبير من رواد جراحات البدانة في العالم.

إن حضور هذا الملتقى للأطباء المختصين بالغ الأهمية، حيث يشكل فرصة عظيمة للالتقاء بذوي التجربة عن كثب وفرصة أيضا للمشاركة في نقاشات علمية جانبية طوال الثلاثة الأيام وهي عمر هذا المؤتمر، تتاح لنا الفرصة للاطلاع على العديد من الأبحاث والتجارب التي تقام في المراكز الكبرى في العالم، كما يتم مناقشة أفضل السبل لمحاربة داء البدانة والذي يقدر عدد المصابين به في العالم ما يقارب ملياري إنسان، وهو قريب جدا لعدد الجياع في العالم.

وبالرغم من أن هذا الملتقى علمي وأكاديمي وغير معني بسن التشريعات والقوانين، إلا أن التوصيات التي عادة ما يخرج بها، ساهمت بشكل كبير في قيام مراكز مستقلة لهذا التخصص الجديد في عالم الجراحة، كما أنها ساهمت في انتشار عمليات البدانة الآمنة في العالم.

وإذا أردنا أن نتحدث عن تجربتنا في المملكة والتي بدأت من مؤتمر عام 2000 وربما قبلها بقليل، فإن حضور أطبائنا المستمر وتواجدهم في المحاضرات والندوات، بالإضافة إلى دعوة الكثير من أطباء العالم الرواد إلى المملكة للمساهمة في تنظيم ورش عمل تدريبية وإجراء عمليات جراحية، ساهم في منح المملكة العضوية في عام 2008 وذلك قبل إنشاء الجمعية السعودية لأمراض وجراحة السمنة بأربعة أعوام، وهو الشرط الذي كان مطلوبا حينها لقبول العضوية. لقد منح انضمام المملكة لعضوية الاتحاد العالمي لجراحات البدانة المشاركة بشكل أكبر لأطبائنا في اللجان العلمية والدورية والتصويت في اختيار المدن المنظمة وكان من ثمارها أيضا اختيار مدينة دبي لتنظيم المؤتمر في العام القادم بإذن الله، بعد منافسة شديدة من مدن أخرى.

أما فيما يتعلق بشأن جراحات البدانة في المملكة، فإنه وبالرغم من الجهود العظيمة لأطبائنا في الحضور والتفاعل خارج البلاد، إلا أن جهودنا ما زالت تفتقد للعمل الجماعي والمؤسسي في الداخل، واقتصرت تلك النشاطات على مجموعة صغيرة تقدم ورش عمل علمية وتدريبية بدعم ومؤازرة من الشركات الطبية للأسف الشديد، في ظل غياب تام للهيئات والمؤسسات الحكومية.

ولأن معدلات البدانة في المملكة في نمو متزايد، حيث تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية WHO إلى أن ما يقارب من‏ %37 من عدد السكان يعاني من البدانة، فإن الحاجة أصبحت ماسة لدراسة هذه الظاهرة ومعرفة مسبباتها، ثم العمل بشكل جماعي وبتنسيق عال بين وزارات الصحة، والتعليم، والإعلام لتنظيم حملات توعوية وتثقيفية على مستوى الوطن، وتوضع لها الحلول العملية بعيدا عن التنظير.

إن الحلول الرئيسية للحد من ظاهرة البدانة ليس من بينها الجراحة، والتي يقتصر دورها على علاج فئة بسيطة لا تزيد عن 5% من المصابين بالبدانة، مع ذلك فإن هذا الرقم كبير وعدد العمليات الجراحية التي أجريت في المملكة العام الماضي تزيد على عشرين ألف عملية جراحية للتخلص من البدانة، نحن أيضا نتوقع زيادة هذا الرقم في المستقبل، خاصة مع نجاح هذه العمليات في علاج داء السكري، وبنسبة عالية تصل إلى‏ %90 في عمليات التحوير على سبيل المثال، وهذا ما توقعه أيضا الاتحاد العالمي للبدانة IFSO بعد التوصيات الأخيرة بإجراء هذه العمليات للمصابين بالسكري دون أن يكون لديهم بدانة مفرطة كما تشترط هذه العمليات في السابق، بل إن من يعاني من داء السكري المزمن وفي ظل وجود بدانة بسيطة يصبح مؤهلا لإجراء أحد عمليات البدانة للتخلص من داء السكري.

إزاء هذه التطورات وزيادة عدد العمليات، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى للعمل معا لسن قوانين حازمة تنظم هذا العمل، وتحدث شروط ومعايير هذه الجراحات، بالإضافة إلى تصنيف المراكز الذي تجرى فيها.

صحيح أننا ولله الحمد نحظى بمؤسسات طبية رفيعة المستوى، تقدم خدمات علاجية متقدمة، ولدينا أطباء يحظون بكثير من التقدير والاحترام ولهم إسهامات رائدة في نهضتنا الطبية، إلا أن هذا لا يبرر ترك تقدير الأمر لمجرد وازع الضمير الذي قد يحتمي به بعض الأطباء، بل تجب الموازنة بين الطموحات العلمية للأطباء والتي تكون في ذروتها حال عودتهم من المشاركة في هذه المؤتمرات، وبين توفر الحد الأدنى من احترام حقوق المرضى وتجنيبهم مخاطر تلك (الطموحات)، لن يتسنى لنا تحقيق هذا الأمر إلا بتواجد مؤسسات رقابية تحكم هذه الممارسات وتجعلها خاضعة للأدلة والبراهين العلمية والتوصيات الدورية للمنظمات المعنية، وبالتالي لا تخذل المرضى، ولا تجعل مصيرهم مجهولا، ويعتمد بشكل كبير على أخلاق وطموحات الأطباء.

@temyatt