من خطب الجمعة

الجمعة - 12 مايو 2017

Fri - 12 May 2017

سمو العقيدة



«من حق أهل الإسلام أن يعتزوا بسمو عقيدتهم، وأن يشرفوا بسداد نهجهم، وكمال شريعتهم، التي جاءت بأفضل تخطيط، تتوثق به روابطهم، وتقوى به الوشائج بينهم، إذ ارتفعت فوق كل رابط حسب أو نسب أو مصلحة، إلى رابطة الأخوة الجامعة لكل أسباب التواد والتعاطف والتراحم والولاء الشامل لكل من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. ولقد وطد رسول الهدى دعائم هذا الإخاء الفريد بمبادئ تصقله وتهذبه، وتنقيه من كل زائف دخيل، وتصحح واقعه.



والله تعالى جعل رابطة المؤمنين على أساس العقيدة والأخوة في الله، وهو إخبار منه بما يجب أن يكون واقعا ملموسا. لا مجال لجعله كلاما وأماني لا حقيقة لها، لأن المؤمنين حين آمنوا بربهم، وصدقوا برسوله وبما جاءهم من عنده، توحدت وجهتهم، واجتمعت قلوبهم، ولا تنافر بين قلوب اجتمعت على إيمان بالله، وعمرها حب شديد لله، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإيمان قوة جاذبة تبعث أهلها على التعاطف والتقارب، وهو التآلف.



وكان هذا التآلف القائم على العقيدة والأخوة في الله جديرا بهذا المثل النبوي العظيم الوارد في قوله عليه الصلاة والسلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» أخرجه مسلم في صحيحه.



وإن هذا التواد والتراحم ليغرس في نفس المسلم الشعور بالمسؤولية نحو مجتمعه وأمته. وهو شعور يشكل دائرة تترابط فيها الحلقات، كل حلقة منها تمثل مصلحة عامة للمسلمين.



ومن واجب المسلم أن يسهم فيها بحسبه، ليدل بذلك على أنه عضو عامل في هذا المجتمع، وحصن حصين دونه، لا يؤتى المسلمون من قبله، وإن هذا الشعور بالمسؤولية لا يكفي فيه إبداء المشاعر الطيبة دون اتخاذ خطوات إيجابية تعبر عن الشعور بالمسؤولية والاهتمام بأمر المسلمين. وإذا سار المسلمون على الدرب وأخذوا بما أخذ به السلف من وسائل الشد على الأواصر، وربط الأخ بأخيه برابطة الحب في الله، وهجر كل شعار أو نداء أو تحزب وضع الإسلام من شأنه، عندئذ تبلغ الأمة ما تريد من خير، وتتبوأ المكانة اللائقة بها تحت الشمس.



أمة من حقها أن تسود، وأن تقود، لا بالحديد والنار، ولا بالقهر والإرهاب، بل بدعوتها السامية، وعقيدتها الصافية، ومثلها الرفيعة».



أسامة خياط - الحرم المكي





كفر النعم

«إنكم تعيشون في بحبوحة من الأمن الشديد المديد، ورزق مخصب رفيه غزير رغيد، وعيش رخي وشراب روي، والناس من حولكم يقتلهم الجوع الأغبر والموت الأحمر، يسلبون قتلا وأسرا وسباء، ويؤخذون عبيدا وإماء، ويكافحون بلاء ووباء، ويكابدون غلاء وجلاء وفناء، ونرى صبية يكثرون الصياح وشعوبا أنهكتها الحروب والجراح، فاحذروا الازدهاء بالرخاء، ولا تغتروا بالنعماء، ولا ينسينكم بهاء النعم شكرها، وكونوا ممن انقاد له شكرا على نعمه، ولا تستعينوا بالعطايا على الخطايا، ولا تغرنكم الشياطين، ولا يخدعنكم أعداؤكم بالباطل، ولا تجاهروا بالعصيان بعد الرزق والأمان، والعافية والامتنان، وأحسنوا جوار النعم تحفظوا النعم الموجودة، وتجلبوا النعم المفقودة، وتستديموا عطاء الله وكرمه وجوده، فما أدبرت نعمة بعدما أقبلت، ولا رفعت منة بعدما نزلت، ولا سلبت كرامة بعدما منحت، إلا لكونها عطايا ما شكرت، أو بسبب خطايا فعلت. والنعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت.



والحذر من كفران النعم وعدم شكرها، وجعل رزق الله ذريعة ومتسلقا لمعاصيه، والتدرج بها إلى مناهيه، ومظنة أن الإنعام عطاء وإكرام وإيثار وتفضيل واختيار، وما هو إلا استدراج واستجرار. فالمستبصر المستبين يعرف الغث من السمين، والشراب من السراب، (فيجب) الإعراض عمن تولى عن طريق الحق، ممن سلكوا طريق الشهوات والرغبات والأهواء.



والرضا باليسير صفة الشاكرين، فلا يزدرون نعمة الله وإن قلت، كلما تعذر عليهم شيء من أمور الدنيا قنعوا بما دونه ورضوا، فقد عز من قنع، وذل من طمع، فمن الناس من لا يرضى برزقه، تراه متسخطا ضجرا يتمنى ما عند غيره من الجاه والمال والحال، لكن الأرزاق قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير، وعلم بأحوال العباد. والحذر من التحاسد وتمني ما فضل الله به البعض على غيرهم من الناس، وأن يسأل العبد ربه البركة، ويسأله من خزائنه التي لا تنفد. ومن الناس من يسأل الناس ليثري ماله، يتعرض لهم في المساجد والتجمعات، وفي الأزمنة الشريفة كالجمع ورمضان، وربما صحب صغاره وعودهم على ذل السؤال والطلب استعطافا للناس، واستدرارا للعطاء. والحذر من مخاطر تبذير المال وإنفاقه في غير حق وفي الفخر والسمعة والمباهاة، فذلك نقيض الشكر».



صلاح البدير- الحرم النبوي