عبدالغني القش

«كوني حرة».. هل يكفي الاعتذار؟!

الجمعة - 07 أبريل 2017

Fri - 07 Apr 2017

شهد هذا الأسبوع حدثا أزعم أنه تكرر من قبل، ومن الجهة ذاتها، وأتصور أنه سيمر مرور الكرام كما مرت الحملات السابقة؛ فمجتمعنا كما أنه سريع الغضب، وهو أيضا سرعان ما يرضى، ويتمتع بنسيان عجيب قلما تمتلكه المجتمعات الأخرى.



وهذه الحملة كانت ترفع شعارا غريبا “كوني حرة” وكأن المرأة لدينا تعيش في عصر الظلام والامتهان وهضم الحقوق، وتصور للعالم أن المرأة لدينا غائبة عن المشهد أو أنها تعيش في الظل وليس لها أي مكانة أو قدر في محيطها.



فالحملة تمحورت حول دفع المرأة للتمرد على قيود المجتمع، وتهدف لإفسادها؛ فهي في الحقيقة عبارة عن دعم للعبودية والاستجابة لشهوات البشر ونزواتهم، وإبعاد المرأة عن الدين والأخلاق والقيم.



وبعد أن نجحت هذه الجهة البائسة في استثارة المجتمع، تنادى عدد كبير من أفراده عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسط حضور ضعيف من المشايخ للاحتجاج على هذه الحملة، وبيان مقاصدها الخبيثة.



وقد صدق الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله حين قال “إن الذين ينادون بحرية المرأة لا يريدون حريتها بل يريدون حرية الوصول إليها”.



وقد جاء اعتذارها سمجا، وتبريرها لا يقبله عقل ولا منطق، إذ جاء في ثناياه أنها أجرت تحقيقا وتبين أن أحد العاملين ابتدع أجزاء جديدة لم تكن موجودة ضمن الحملة، وهذا يعني ضمنا استمرار الحملة، وكأن المتلقي غاية في السذاجة وربما اعتبرته عديم الذكاء.



وبعيدا عن الضجيج الذي صاحب تلك الحملة التي تنال من قيم المجتمع والثوابت الدينية، فإن التوقيت أيضا يمثل علامة استفهام كبرى، ولكن كل تلك العوامل لم تكن سببا في نجاح الحملة، بل أثبتت الذهنية المتقدة لدى المتابع، وأنه ليس من السهل أن تنطلي عليه الحيل، فوقف بالمرصاد لكل تلك المحاولات بداية بحصر حقوق المرأة في قيادتها للسيارة، ومرورا بإسقاط الولاية، ووصولا لهذه الدعوة “كوني حرة”، وهي لن تكون الأخيرة فالمحاولات ستتواصل، ولن يصمد أمامها إلا شموخ ووعي وإدراك أبناء وبنات مجتمعنا الواثق بنفسه والمعتز بتعاليم دينه والمستمسك بقيمه.



ومما لفت الأنظار تلك التعليقات والمقالات والقصائد الواعية التي كتبتها أنامل ناعمة من بنات هذا المجتمع واللائي تلقين تعليمهن واستقين مبادئهن وقيمهن في هذه البلاد التي لا تفتأ تعلن دوما أن دستورها القرآن والسنة.



وهنا أكرر مناشدتي لتفعيل دور علمائنا ومشايخنا؛ وأن يعيشوا واقع المجتمع ويستشعروا معاناته، وقد استبشرنا خيرا عندما أعلن سماحة المفتي عن توجه هيئة كبار العلماء لفتح حوارات مجتمعية شاملة مع مختلف شرائح المجتمع بمختلف مستوياتهم العلمية والعمرية، لكن شيئا لم يحدث!



إن مثل هذه الأحداث يفترض أن تجابه أيضا من نواح قانونية؛ فمن غير المقبول أن تمر مرور الكرام دون مطالبة حقوقية باسم المجتمع، والمحامون كان يفترض أن يكون لهم دور بارز، لكنهم خذلوا مجتمعهم وانشغلوا بمكاتبهم وقضاياهم، فتركوا العابثين يفعلون ما يحلو لهم وينفذون أجندتهم لعلمهم بالسبات العميق الذي يعيشه الحقوقيون.



أما السؤال الكبير الذي يبحث معظم المناوئين للحملة عن إجابة شافية له فهو الدور الغائب أو المغيب الذي تعيشه الجهة المنوط بها مراقبة مثل هذه الحملات والتي هي تحت إشرافها، إذ هي التي منحتها التصريح، ومن غير المعقول تركها تعبث كيفما تشاء!



إن الدروس المستفادة من مثل هذه الحملات عديدة ليس المجال مجال حصر لها، ولكن المبهج هو ذلك الوعي المجتمعي الذي أثبت للعالم فكره النير وثوابته الراسخة وقيمه الرفيعة، وبقي الوعي القانوني ليستوفي حقوقه من الجهات العابثة، والمؤمل أن يكون ذلك قريبا.





[email protected]