بركة المدينة

الجمعة - 03 مارس 2017

Fri - 03 Mar 2017

قرة البلدان

«إن المتأمل في أحوال هذا الكون يجد أن أعظم الدلائل على وحدانية الله، وأكثر الشواهد على ربوبيته وألوهيته، وكمال حكمته وعلمه وقدرته أنه عز وجل يختار ما يشاء من الأشخاص والأمكنة، وما يريد من الأشياء والأزمنة لمقاصد عظمى، وغايات كبرى، تقوم عليها مصالح العباد، وإن مما جاء في ذلك الاختيار، اصطفاءه سبحانه طيبة الطيبة، المدينة النبوية المنورة، لتكون مهاجر رسوله صلى الله عليه وسلم، هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، وتاليتها في الحرمة والإكرام، والتعظيم والاحترام، درة الأوان، وقرة البلدان، وزينة الأخطار، وبهجة الأمصار، إنها دولة الإسلام الأولى، نقرأ في تاريخها سيرة أمة، ولدت مع انبثاق فجر أشرقت شمسه، ومع انبثاقه أشرق تأريخها، وحضارة الإسلام انطلقت من المدينة التي تنضح خيرا وأمنا، ورحمة وعدلا، وتسامحا وسلاما، على أساس التوحيد لله، وأن من أظهر في المدينة حدثا، أو آوى محدثا، فقد عرض نفسه للوعيد الشديد، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثا، أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا) متفق عليه، وإنه ينبغي لمن أراد المجاورة والزيارة أن يكون لين الأعطاف، هين الانعطاف، حافظا لحرمة مكانها، محافظا على مراعاة سكانها، يشاركهم في أبنيتهم لا في أغذيتهم، ويزاحمهم في أوقاتهم لا في أقواتهم، ويكتسب من أخلاقهم لا من أرزاقهم، ويقتبس من برّهم لا من قرّهم، ويرأف في حُبّهم لا في حَبِّهم، والواجب على الجميع أن يراعي الآداب الشرعية تجاه هذه المدينة الطاهرة، وتجاه هذا المسجد النبوي، فليس من الأدب أن يمارس العبد فيها ما يخالف العقيدة الصحيحة، والسنة القويمة، أو يقترف بدعة أو مخالفة، وتقوى الله وإحسان الأدب مع مدينة سيد الأبرار، وأن نرعى الأدب فيها والأمن والنظام في ربوعها وبين جانبيها ونتعاون مع رجال أمننا، والعاملين في شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأن يتفرغ زائروها للزيارة، ولا ينشغلوا عن العبادة والزيارة بالهواتف المحمولة والتصوير، وأن يجتنبوا الزحام والإيذاء لإخوانهم، والمرأة إذا حضرت إلى هذا المسجد الشريف أن تتحلى بالحجاب والعفاف والاحتشام، وعدم الاختلاط بالرجال».

عبدالرحمن السديس-الحرم النبوي



داء الإلحاد

«إن برهان الفطرة هو أعظم الأدلة وأقواها، فالشعور بوجود الله تعالى والإذعان بخالق قادر فوق المادة محيط من وراء الطبيعة أمر غريزي مركوز في الإنسان، مفطور عليه لا تغيره ريب المرتابين، ولا تزلزله شكوك المشككين، فإن العلم بالله تعالى أعظم ما يورث الرضا بالله سبحانه وتعالى، بل هو أعظم ما يحقق الإيمان ويقويه، إذا استقر في القلب بحق أثمر إفراد الله بالعبادة وطاعته وخشيته وخوفه ورجائه والتوكل عليه، ومعرفة الله نوعان، الأول معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس جميعا المؤمن والكافر والبار والفاجر، والنوع الثاني هو معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته، والإنابة إليه، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، وهذه هي المعرفة الخاصة، وتفاوت الخلق فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه، وإن أمتنا اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى تبني مشاريع رائدة تعنى بقضية العلم بالله تعالى وإلى بث هذا العلم في مساجدنا وتعزيزه في مناهجنا وتربية أبنائنا ومن تحت أيدينا عليه في بيوتنا ومحاضننا التربوية حماية لمجتمعاتنا المسلمة من داء الإلحاد الذي بدأ يتسلل إليها والحرص على مواجهة الماديين أهل الجحود، ودحر شبهاتهم بالأدلة القاطعة والحجج البازغة والبراهين الدامغة ومعالجة ما أصاب بعض المسلمين هداهم الله من الوساوس والشكوك في ذات الله وما لبس عليهم الشيطان من أوهام وتخيلات وخطوات فاسدة».

فيصل غزاوي- الحرم المكي