سليمان الضحيان

حديث عن القنوات الإسلامية الفضائية

الاثنين - 27 فبراير 2017

Mon - 27 Feb 2017

من الأمور التي أحرص على الاطلاع عليها في سفري الاطلاع على القنوات التلفزيونية الموجهة لسكان البلدان التي أزورها، ومما لاحظته أن القنوات الدينية لها حضور كبير بين قنوات تلك البلدان على اختلاف أديانها، وقد ذكرت بعض الإحصائيات أن عدد الأمريكيين الذين يتابعون القنوات الدينية 140 مليونا، وكثرة القنوات الدينية ظاهرة عالمية، وليست خاصة بمنطقتنا العربية كما يتصور بعض المثقفين، وهي على كل حال ظاهرة عادية، فالدين يأتي في مقدمة اهتمام أغلب شعوب العالم، وهذا ما يجعل الاستثمار التجاري في الإعلام الديني مربحا، فضلا عن وجود منظمات غير ربحية خيرية مهمتها التبشير الديني والدعوي.



وتأتي أعداد القنوات الدينية في منطقتنا العربية في المرتبة الرابعة من العدد الكلي للقنوات الفضائية، فحسب تقرير نشره اتحاد الإذاعات العربية عام 2015م، فإن مجموع القنوات المتخصصة في البث الفضائي العربي بلغ 1394 قناة، منها 170 قناة رياضية، و152 قناة للدراما، تبث المسلسلات والأفلام، و124 قناة غنائية، و95 قناة دينية، و68 قناة إخبارية. وعليه فعدد القنوات الدينية ليس كثيرا بالنظر إلى أن كل دولة من دولنا العربية (22 دولة) لها قناة دينية أو أكثر، وبالنظر إلى الكتلة السكانية الضخمة الموجه لها خطاب هذه القنوات (420 مليونا)، وبالنظر إلى حق كل طائفة ومجموعة دينية في التعبير عن نفسها دينيا، فعدد القنوات السنية 55 قناة، والشيعية 25 قناة، والمسيحية 11 قناة، والبقية لطوائف أخرى.



وأقصر حديثي على القنوات السنية والشيعية، فهي الأكثر حضورا وتأثيرا، ويمكن تصنيفها في مجموعات، المجموعة الأولى: القنوات الدينية الرسمية، وهي غالبا ليس لها حضور، وخطابها باهت. والمجموعة الثانية: القنوات المتخصصة بجانب ديني كقنوات القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهي كلها قنوات سنية، وهي محل إجماع من الجمهور السني، نظرا لعدم دخولها فيما يختلف الناس حوله دينيا.



والمجموعة الثالثة: قنوات الإنشاد الديني، وهو قنوات اللطميات عند الشيعة، والأناشيد عند السلفيين، والحضرات الإنشادية عند الصوفية، وهذه القنوات لها جمهور خاص، يغلب عليهم فئة الشباب والفتيات، ويغلب على قنوات اللطميات الشيعية تصوير مأساة الحسين مستمرة إلى اليوم، وإذكاء روح الثأر من أعدائه وأعداء البيت، وهذا بلا شك له أثر طائفي عميق في نفوس مشاهديها ومستمعيها من الفتيان والفتيات.



والمجموعة الرابعة: قنوات تجارية ذات ثوب ديني، وليس لهذه القنوات شخصية متميزة، فهي خاضعة لرغبات الجمهور، مع تجنب ما يثير البلبلة حولها.

والمجموعة الخامسة: القنوات الدينية الحركية، وهي القنوات التي تعبر عن التيارات الدينية أو الأحزاب الدينية السنية مثل (السلفية، والجامية، والسرورية، والإخوان، وحزب التحرير، والصوفية)، والشيعية مثل (الملتزمون بمرجعية النجف، وأنصار ولاية الفقيه، والشيرازيون، والإصلاحيون).



وهذه القنوات هي أكثر القنوات الدينية حضورا وتأثيرا، وأهم مرتكزات خطابها مرتكزان، الأول: الغياب التام لأي رأي ديني مخالف إلا على سبيل الرد عليه، وتختلف في نظرتها إلى الآخر المخالف دينيا، فبعضها تنتقد المختلف معها نقدا رفيقا، وقد تغفل الآخر المختلف دينيا، وتسقطه من حسابها، وبعض منها جل برامجها مسخرة لمناقشة المخالف لها دينيا سواء من الطوائف الأخرى، أو من داخل الطائفة، وتستعير خطابها من خطاب الخصومات المذهبية في التراث، وخطابها هذا ساعد في إذكاء الطائفية، وإحياء الصراعات المذهبية.



والمرتكز الثاني: التحليل الأيديولوجي الصارخ للأحداث، فكل ما يحدث في هذا العالم من أحداث سياسية واقتصادية يتم تحليله وفق المنطق الديني للتيار أو الحزب. وهذان المرتكزان لخطاب تلك القنوات لهما تأثير عميق في وعي جمهورها، إذ من نتائج ذلك بناء عقلية مغلقة الوعي على الطائفة، أو التيار الديني، أو الحزب، فهي لا ترى العالم إلا من خلاله. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن هذه القنوات ساهمت بجزء من غياب التسامح في مجتمعاتنا العربية.



أختم هذا المقال بالتأكيد على أن القنوات الدينية ضرورة في مجتمعاتنا، إذ من خلالها يمكن تقديم الفتوى الدينية التي يحتاجها الناس، وتبصير الناس بكيفية أداء الشعائر الدينية، والتأكيد على الأخلاق التي جاء بها الدين من رحمة، وإخاء، وتواضع، وتسامح، لكن دخول (الأيديولوجيا) حول بعضا منها إلى أداة فرقة، وانغلاق، وتعصب.



[email protected]