هل لكم في العزاء منافع!

الأربعاء - 11 يناير 2017

Wed - 11 Jan 2017

لا أحرص على حضور الأفراح بقدر حرصي على حضور العزاء لأهل الموتى، فمن حيث أراه لا يحتاج أهل الفرح حضوري كما يحتاجه أهل الميت، علاوة على أن أجواء الأفراح المكتظة بما فيها من أصوات عالية تزعجني، ومع ذلك فإن ما أراه مؤخرا من مشاهد ومظاهر تتخلل مناسبة العزاء النسائي يوحي إلي بأن العزاء هو الآخر فقد قيمته الحقيقية ومعناه الذي جعل له، حتى بدا لي أنه لو ترك أهل الميت لأحزانهم لكان في ذلك خير عزاء لهم.



من أول ما يتبادر إلى الأذهان في الحديث عن التجاوزات الحاصلة في مناسبة العزاء هو المظهر العام للمعزين، وما يحدث فيه من مبالغات في الملبس أو التبرج، بحيث يتحول مشهد العزاء إلى ما يشبه المناسبة الاجتماعية العادية، مع ما تحمله من استعراض شكلي.



ويحدث أن يحضر الناس للتعزية، وبدل أن يستغلوا وجودهم هناك بالدعاء للميت وتسلية أهل الميت ينشغلون بغيبة بعضهم البعض، ففلانة مكياجها كثير، وفلانة ترتدي كعبا عاليا، وفلانة عباءتها غير لائقة، وفلانة تضع رموشا اصطناعية وعدسات ملونة، وأخرى واضح عليها إجراؤها لعملية تجميل.. إلخ. ويخرجون بعد ذلك من العزاء محملين بذنوب ربما تزن أكثر من حسنة التعزية!



ومع أني أفضل أن يكون السبب الأول والأخير لتجنب إصدار الأحكام على الناس هو قاعدة «لا أحد كامل»، إلا أن هناك أسبابا أخرى متوفرة ووفيرة لمن يريد أن يتوسم في الناس الخير، فقد تكون صاحبة الرموش وضعت رموشا دائمة قبلها بيوم أو يومين ودفعت من أجلها مبلغا باهظا، وبالتالي فإنها لن تذهب للصالون لإزالتها فقط من أجل زيارة تعزية مدتها دقائق.



ومثل ذلك قد تكون صاحبة العدسات الملونة نظرها ضعيف وتعتمد على العدسات الطبية الملونة لتصحيح نظرها ومظهرها معا، وبالتالي فلن تقصد السوق لتشتري عدسات طبية غير ملونة فقط لتضعها لبضع دقائق بهدف التعزية. وقد تكون صاحبة الكعب قصيرة القامة ولا تخرج من بيتها بدون كعب عال في جميع الظروف. من أنت يا صاحبة الظل الطويل لتحكمي عليها بنقطة ضعفها؟



ويحدث أن يتوفى الله أحدهم بعد معاناة مع المرض فتكون وفاته راحة له ولأهله وبه تنزل طمأنينة وسكون على قلبهم، لكن لأن الناس لوامة يتحرج أهل الميت من رؤية أولئك الناس لأحدهم غير متأثر تأثرا عظيما، فتارة يقولون إنه أخذ أدوية مهدئة وتارة يعزلونه عن المعزين، مبررين ذلك بأنه في حالة يرثى لها فلا يستطيع مقابلتهم، كل ذلك إرضاء لناس رضاهم لا يدرك!



وبالحديث عن العزاء يجدر التطرق لوجبة العشاء التي أصبح توفيرها للمعزين لزاما بعد أن استحدثها البعض وقلدها البعض وعاب على من تركها البعض، فأصبح توفيرها بتلك الكميات الكبيرة يشق على أهل الخير أو أهل الميت، عدا عن أن المعزين أصبحوا يطيلون الجلوس انتظارا للعشاء فيشقون على أهل الميت ويكتظ بهم المكان ويضيق عن استقبال كافة المؤدين لواجب العزاء. وقد كانت وجبة العشاء في السابق يتم توفيرها من أهل الخير لأهل العزاء فقط، وذلك لانشغالهم باستقبال المعزين ولقلة شهيتهم لها فيحملونهم بتوفيرها على الأكل وعدم الاستسلام للحزن واليأس.



وأخيرا، نعم هناك مبالغات شكلية يعجز عنها التبرير وسلوكيات من ضحك وقلة احترام لمشاعر أهل العزاء لا نجد لها أعذارا، لكن إن أردنا تضييق نطاقها بالتسامح مع ما يمكن أن نتسامح معه فسوف تصبح هذه التجاوزات في حكم النادر والذي لا حكم له.



أما أن يتحول العزاء لمشهد يحكم فيه المعزون على غيرهم من المعزين وعلى أهل الميت، ويحكم فيه أهل الميت على المعزين لدرجة أن تشعر بأنهم لولا العزاء لكانوا في حالة نفسية أفضل فذلك يسترعي

التوقف وإعادة النظر في مدى منفعته من ضرره.



ولو أن أهل العزاء يضعون نصب أعينهم أن جميع من حضر باختلاف مظهره يملك الخيار الآخر بعدم الحضور وتمضية وقت العزاء في مكان سعيد مع رفقة سعيدة أو حتى في راحة منزله لكنه تكبد الحضور للمناسبة الحزينة لتأدية الواجب وللوقوف مع أهل الميت _كل بطريقته_ لكان خيرا لهم.



[email protected]