فاتن محمد حسين

البنى التحتية في مكة المكرمة

مكيون
مكيون

الاثنين - 09 يناير 2017

Mon - 09 Jan 2017

تعد مكة المكرمة أقدم مدينة على وجه الأرض؛ منذ أن وطئت قدما إبراهيم عليه السلام هذه البقعة الطاهرة، وتفجرت مياه زمزم تحت قدمي إسماعيل، وقامت السيدة هاجر بسقيا القبائل العربية التي جاءت تبحث عن الماء والكلأ، حتى قامت حضارة ومدنية فيها. وقد كان شرفا للقبائل العربية على مر التاريخ مواصلة تلك الحضارة، وحتى بعد بزوغ فجر الإسلام أسس رسول البشرية الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ونقل أنظمة الدولة المدنية إلى مكة المكرمة؛ الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واستمر ذلك مع تتابع الحكم الإسلامي عبر القرون - قبل ظهور مدن عالمية مثل لندن وباريس ونيويورك وسان فرانسيسكو وغيرها.



ومع عمق الجذور التاريخية لمكة لم تصل كمدينة عالمية إلى ما وصلت إليه تلك المدن في (بنيتها التحتية)، وظل إنسان المكان يعاني شح وتردي الخدمات!!



جالت في خاطري هذه الأفكار وأنا أتابع إغلاق الشارع المجاور وشيولا كبيرا وتراكتورات تجوب المكان وكأنها في حرب ضروس؛ للحفر والتمديد، لأن الجار الجديد - وفقه الله - يشيد عمارة ويدخل الكهرباء فيها، وقامت الشركة الموقرة بالتمديدات، وتنفسنا الصعداء بانتهاء الأعمال بعد أن استمرت أسبوعين. ولم يكد يمر شهر إلا والسيناريو يتكرر في المكان نفسه، من حفر وردم وإغلاق للشارع، فعلمنا أن شركة المياه والصرف الصحي تقوم بالتمديدات اللازمة للعمارة!



وحقيقة نضع الآن أيدينا على قلوبنا خوفا من أن تكون هناك تمديدات أخرى لتصريف مياه السيول وربما لشركات الاتصالات والإنترنت، وغيرها!



ولكن كم هي الجهود المهدرة، والأموال الطائلة التي تنفقها الدولة جراء هذه العملية! وكم هو الزمن والروتين القاتل الذي يعاني منه المواطن!



الحقيقة المؤلمة أنه لا يوجد بنى تحتية لمدينة هي أقدم المدن في العالم، وهي مقصد ملايين المسلمين كل عام! ولكن مع ذلك لا بد من الإشارة إلى الاهتمام البالغ بالبنى التحتية للمسجد الحرام وبكل مقوماتها بتوجهات الدولة وولاة الأمر - أعزهم الله - لأن شرف خدمة الحرمين الشريفين هو من أولى أولوياتهم لتوفير أقصى درجات الراحة لقاصدي المسجد الحرام من الحجاج والمعتمرين.



ولكن تظل المنطقة الحضرية في مكة المكرمة بعيدة عن الخطط الاستراتيجية في بناها التحتية، فإمدادات المياه الصالحة للشرب، والكهرباء والصرف الصحي، وتصريف السيول والاتصالات توفر فقط حسب البناء! والسؤال الملح: لماذا لا توفر الشبكة العامة التي تخدم المدينة ولا يبقى للمواطن سوى دفع الرسوم وربطها بالمبنى الجديد؟ فالبنى التحتية تشكل عصبا رئيسا لعملية التنمية العمرانية والاقتصادية، ولا بد أن توجد ضمن النطاق الاستراتيجي التخطيطي على مستوى الوطن أولا لمواكبة النمو المطرد للسكان والتوسع الحضري، ثم التخطيط على مستوى الإقليم والمنطقة، والذي يرصد الاحتياجات الأساسية في كل منطقة ومدينة وقرية، ثم توفيرها في المناطق الحضرية للحيز الجغرافي الذي يكون تحت مسؤولية إدارة محلية من مجالس المناطق.



وقد أحسنت الدولة صنعا بخصخصة تلك المرافق لتحميل القطاع الخاص جزءا من المسؤولية الوطنية في إدارة الخدمات العامة، وهو ما يتوافق مع الرؤية 2030. وعلى الرغم من صور الاحتكار التي تتمتع بها والربحية العالية، لكنها لم تحقق ما يتمناه الموطن بالربط المباشر للخدمات، مع أن خدمات البنى التحتية لها تأثير كبير على تطور الكتلة العمرانية والارتقاء بها وتجويد وتحسين الخدمات المقدمة لإنسان المنطقة أو تدنيها.



إن المتتبع للدول المتقدمة وتطورها في مجال البنى التحتية يجد أنها أنشأت منذ القرنين الـ 18 و19 الميلاديين في مدن أوروبا الكبرى، وفي أمريكا الشمالية – وما سمي بالعالم الجديد - منذ بداية الـ20 بنى تحتية بتقنيات ومعايير وتصاميم ومستويات عالية تتناسب من النمو السكاني المطرد مع بعض التحديثات البسيطة لها.



كل ذلك يجعلنا نتساءل أين دور وزارات الاقتصاد والتخطيط عبر سنوات من العمل في خطط خمسية وأخرى عشرية وميزانيات فلكية! فلم نر لها أثرا في توفير البنى التحتية منذ 80 عاما - وهو زمن تأسيس الدولة السعودية - على الرغم من أن الدولة تخصص المليارات من الأموال للبنى التحتية وللشؤون البلدية والقروية، ولأمانات المدن، ولكن قاتل الله الفساد الذي يعطل التنمية التي هي حق المواطن والدولة.