عبدالله الجنيد

طائرة ورقية

الاثنين - 09 يناير 2017

Mon - 09 Jan 2017

ماذا لو بدأنا حصة اليوم بتوزيع ورقة على كل طالب وطالبة وطلبنا أن يصنع كل منهم طائرة ورقية والخروج إلى الفناء وإطلاق كل تلك الطائرات الورقية، ربما قد ينظر البعض إلى الاقتراح كونه أمرا عبثيا ولكن هل سيصدق ذلك البعض أن هناك مسابقات دولية تشرف عليها مؤسسات علمية وشركات رعاية كبرى مهتمة باكتشاف النبوغ المبكر في علوم ديناميكية الهواء وعلاقتها بعلوم الطيران والإسهام في تطوير علوم الطيران. كلنا يقرأ في المناهج عن الأدب والفروسية إلى محاولة عباس بن فرناس الطيران، فلماذا لا تعتمد تنمية الخيال عمليا بدل تحويل المدارس إلى مراكز اعتقال والفصول إلى زنازين جماعية.



وماذا عن المعلمين، هل كانت رحلتهم للمدرسة إبان مرحلة الدراسة مختلفة الآن عما كانت عليه سابقا، وأنا لا أتحدث عن الشوارع أو المواصلات ولا حتى المدارس المكيفة، بل الفترة الزمنية للحصة. كيف نستطيع تحفيز الخيال أو تحفيز فضول العقل خلال تلك الخمس والأربعين دقيقة. كم طالب سيجد نفسه يسرح أو آخر يقاوم النوم وكلهم يتمنى لو كان اليوم إجازة، ونفس الطلبة سنجدهم في قمة الحيوية فور انتهاء الحصة. الإشكالية في أدوات المكان لا الزمان. فلماذا لا ندرس العلوم في المعامل واللغة والأدب عبر الفنون؟ أو ماذا عن الاستعاضة عن الواجبات المنزلية بمشاريع تنجزها فرق من الطلبة، ولتكن الحصص بمثابة اجتماعات لمتابعة تطورات تلك المشاريع. ذلك هو ما يتبع في التعليم الحديث، أي استحثاث الإبداع عبر تنشيط الخيال، وإن أردنا تحقيق الأحلام فعلينا أن نعتق الخيال.



الفضول البشري هو أحد أهم محفزات كل الاكتشافات البشرية مثل النار وما كان لها من دور في التطور البشري. فالفضول ليس ما يتعاطاه البشر اليوم من التطفل على مغامرات مثل أبوسن وكرستينا.

فعندما أطلقت ناسا مسبارها لاكتشاف المريخ في نوفمبر 2011 أسمته (الفضول curiosity). لذلك نحن اليوم في حاجة لعتق المدرس والطالب من ربقة نظام عاجز عن إنتاج إنسان المستقبل لأن هذه المنظومة قاتلة للخيال وللفضول. وكلنا رأى جمال المخطوطات التي كتبت بماء الذهب والفضة والفضل في ذلك يعود لعالم الخيمياء (الكيمياء) العربي جابر بن حيان. فذلك الإنجاز يعد تحولا في علم الصهر البارد للمعادن.



مهما تحدثنا عن التنمية إلا أن التعليم والتعليم والتعليم هو ما يجب أن يكون البند الأول في الإنفاق، ويلي ذلك الرعاية الصحية. وقبل أن نعيد صياغة مفاهيم جديدة للتعليم علينا قراءة تجارب الشعوب والأمم وكيف نهضت لتكون ما هي عليه اليوم كألمانيا مثلا. فألمانيا جمدت إنفاقها العسكري عند 3% من إجمالي ناتجها القومي منذ أن سن ذلك التشريع المستشار بسمارك بعد تأسيس الإمبراطورية الألمانية.



وألمانيا ما زالت الدولة الأكثر تطورا في العلوم والصناعة بفضل فلسفة الدولة القائمة على الحفاظ على مركزها من خلال الإبداع والابتكار، فالألمان يستثمرون في البشر قبل الحجر. نحن نملك كل مكونات النجاح وكل ما ينقصنا هو الإرادة السياسية الحقيقية في إعطاء مؤسساتنا الوطنية الفرصة لتخوض تجربة صناعة المستقبل متحررة في ذلك من قيود خدمة الوزير إلى خدمة الوطن.



أعطني مدرسا مبتسما وهو ذاهب للفصل وسأعطيك جيلا ينتمي لابن فرناس والرازي وابن حيان والفارابي وابن رشد. في أحد اللقاءات القصيرة سأل أحد الصحفيين دان رثر مقدم برنامج 60 دقيقة في قناة CBS الإخبارية الأمريكية «ما الذي دفعك لتكون صحفيا» فرد دان رثر «الفضول». لقياس الفكرة ليصنع كل منكم طائرة ورقية مع أولاده ولير كيف ستلمع أعينهم بالفرح.



[email protected]