القضاء بين المنجز والمأمول

الأربعاء - 04 يناير 2017

Wed - 04 Jan 2017

بداية أود أن أبارك للمجتمع كف يد رئيس إحدى كتابات العدل وكاتبي عدل وموظف إداري، جميعهم تحت رئاسته، مع إيقاع العقوبات التأديبية والجنائية بحقهم، نظرا لثبوت إدانتهم بقضية فساد مالي وإداري.



ثم أود أن أشكر وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور وليد الصمعاني - وأتحفظ على التعريف بـ «الشيخ»، حيث إنه تعريف غير مبني على مقاييس علمية ثابتة ومعروفة ويتساوى باستخدامه الصالح والطالح - أشكره على الوقوف بحزم أمام الفساد المتفشي في جهاز يتوسم الناس فيه أعلى مراتب العدالة ولا ملجأ لهم غيره، يضعون تحت إمرته ورهن حكمه حياتهم وحريتهم وأموالهم. نعم هو واجبه كما كان واجب من سبقوه لنفس المنصب، لكن كما ننتقد حين يتوجب النقد بدافع الإصلاح نشكر حين يحين الشكر بدافع الامتنان في أوقات نحن والدولة في أمس الحاجة لأيد أمينة تصلح ما أفسده الفاسدون والدهر منه براء.



نحن نعلم بما لا شك فيه أن الفساد متواجد وهو ينخر في أجهزة الدولة كافة، ولكن مع ذلك تواجده في الجهاز العدلي تحديدا لهو طامة الطوام. وقد شهدنا في الفترة الماضية محاسبة كتاب عدل كثر وبعض القضاة في قضايا مشابهة رغم حساسية وظائفهم والمسؤولية المناطة بهم، ومع ذلك ولسبب ما سادت فترة أصبح فيها نقد القضاء خطا أحمر، فيما ليس من «العدل» أن يجمع أي جهاز بين كونه ليس فوق الخطأ ولكن فوق النقد.



والواجب ألا يؤخذ النقد على أنه أداة هدم، ففي ذلك ظلم لأهم أدوات الإصلاح والبناء المفعلة في العالم المتقدم. لعل النقد يسترعي انتباه المسؤول لما قد يكون غاب عنه في غمرة انشغاله بالمسؤوليات، ولعل المقترحات المجانية ممن يلمسون الخدمات على أرض الواقع تنال استحسانه فيصلح بها ما تعجز عنه جهات الاستشارة المدفوعة.



بهذا أصل إلى ملاحظات تستوجب النظر والإصلاح بما يراه الدكتور الصمعاني مناسبا، وهي في جزء كبير منها تشريعية لكن مع فقدان تقنين الأحكام يصبح المشهد القضائي مليئا بالتشريعات ولو بشكل غير مباشر.



أول تلك الملاحظات آلية تحديد النفقة، حيث ما زالت رغم الاجتهادات تخضع لتقييم كل قاض على حدة وتتباين بحسب ما يمكن إثباته من دخل العائل وبالنهاية دائما ما تكون النفقة المحددة بخيسة مع عدم أخذ المستوى المعيشي للأبناء قبل وقوع الطلاق في الحسبان، حتى أصبحت النفقة أداة ضغط يستخدمها بعض الرجال لثني زوجاتهم عن الطلاق مهما كانت طبيعة العلاقة، ومهما وقع عليهن من ضرر، ويهدد بها آخرون طليقاتهم حتى لا يطالبن بالحضانة، مما يضطر الأم بالتضحية كي لا يؤثر الخلاف على أبنائها ولا يتغير مستواهم المعيشي ولا يضطروا لترك مدارسهم التي اعتادوها وأصدقائهم الذين ألفوهم ومحيطهم الذي أنسوه.



هذا الخلل الذي به يقع ظلم كبير على الأم والأبناء يستوجب وقفة حازمة لما فيه مراعاة مصلحة الأطفال وتحقيق العدالة وسن تشريع يحدد النفقة على أسس أدق تتضمن المستوى المعيشي للأبناء قبل الانفصال.



الملاحظة الثانية تنطلق من أن النظام الأساسي للحكم لا يلزم الشعب بمذهب معين، وعليه أتيح للمحامين قانونا الترافع في المحاكم بالاستناد إلى أي من المذاهب الأربعة، لكن القضاة غير ملزمين بالأخذ بمختلف المذاهب في حيثيات إصدار الحكم، في حين قد يكون أحد المتقاضين أو جميعهم يتبنى مذهبا مغايرا ومشروعا وعنده سند شرعي حسب مذهبه. هذا وسدد الله خطاكم نحو جهاز عدلي أقرب للعدالة وأبعد عما سواها.



[email protected]