الذكاء وحده لا يكفي!

الأربعاء - 21 ديسمبر 2016

Wed - 21 Dec 2016

ارتبط الذكاء بالقدرات العقلية الخارقة للتعامل مع الأمور الحسابية والمنطقية بأريحية تامة، وكذلك تحليلها أو استنباط نتائجها بجهد عقلي أقل من المألوف لدى الغالبية. تاريخيا وتحديدا منذ بداية القرن العشرين أوجد العلماء مقياس اختبار الذكاء العقلي «آي كيو»، وقد وجد أن المعدل لدى أغلب البشر هو بين 85-115.



لكن لماذا الذكاء العقلي ليس كافيا لضمان النجاح المهني والشخصي أيضا؟ لأن هناك جزءا مفقودا من معادلة النجاح حسب ما أعتقد. هناك أمثلة كثيرة لأشخاص كانوا يعتبرون عباقرة ولكن لم يستطيعوا أن يجمعوا بين النجاح العقلي مع النجاح الاجتماعي والمهني.



أحد الأمثلة المشهورة الأمريكي الشاب «آرون سوارتز»، هذا الشاب الذي اكتسب شهرة عالمية في عالم الانترنت في بداية الألفية الثانية وكان يافعا جدا. لم يتعامل مع الواقع وانتهى به المطاف منتحرا قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر بسبب عدم التعامل الصحيح مع ما استجد في حياته المهنية. شخصيا قابلت أحدهم في بداية حياته العملية، ودار بيني وبينه حديث مقتضب عن الاهتمام بالمظهر الخارجي في بيئة العمل، اكتفى بالقول «أنا مثل أحد المشروبات الغازية لي ميزاتي الخاصة بصرف النظر عن شكلي، لن يهتم الآخرون بمظهري أبدا لأني عبقري». وهناك الكثير من الأذكياء جدا لم يتمكنوا من توظيف إمكانياتهم العقلية بالشكل الأمثل. في التراث نذكر قصة الفتى العبقري مع أبي العلاء المعري، الذي قال بعد أن وصله خبر وفاته « قتله ذكاؤه».



يأخذ بعض الأذكياء وقتا، أطول من اللازم، حتى يعرفوا أهمية الذكاء الاجتماعي في تحقيق الطموح الوظيفي. مما يفوت عليهم الكثير من فرص النجاح المبكر والطبيعي نسبة لقدراتهم العقلية. الآخرون الذين يملكون هذه الميزة إما بالفطرة أو بالتوجيه المبكر، يتمكنون من الوصول للقمة أسرع من أقرانهم.



ترى، في بيئة العمل بالتحديد، هل نستطيع أن نساعد هؤلاء؟ شخصيا أقول نعم. خصوصا بعد أن ظهر حديثا في علم الإدارة ما يسمى بالذكاء الاجتماعي، وهو القدرة على التعامل مع العلاقات الاجتماعية في البيئات المختلفة بفاعلية عالية. هذا المجال له نظرياته ومقاييسه الخاصة به. تستطيع المؤسسة أن تتبنى دورات وبرامج تطويرية في السنوات العملية الأولى، حتى لا يكون هناك إحباط وعدم تكيف واضح مع الواقع لهذه الشريحة من الأذكياء جدا، ومن ثم لا يستفاد منهم على المدى الطويل كما ينبغي. أيضا جعل الذكاء الاجتماعي مقياسا هاما في اختيار القادة الجدد، حيث ليس شرطا أن من يتسلق المراتب العليا هم فقط من يكونون الأفضل في الجامعات فقط.



ختاما أقول إنه ليس خللا ولا انتقاصا من المؤسسات الكبرى أو الصغرى، في حالة توظيف واستخدام أشخاص متوسطي المستوى دراسيا وكانوا يملكون ذكاء اجتماعيا. وذلك من خلال اكتشاف هذه الميزة أثناء المقابلات الشخصية للتوظيف، أو بالحكم على مساهماتهم الاجتماعية خلال سنوات الدراسة الأكاديمية. القادة بشكل عام يتعاملون مع الأشخاص الذين من حولهم اجتماعيا أكثر منه تقنيا، وهذا كفيل بخلق بيئة عمل تساعد المؤسسات على النجاح.