كي لا ننسى

الثلاثاء - 20 ديسمبر 2016

Tue - 20 Dec 2016

في مطلع عام 2011 كان العالم قد تابع باهتمام كبير أحداث ثورتي تونس ومصر اللتين أطاحتا بمبارك وزين العابدين، تواصل الاهتمام بمتابعة شرارة الثورة إلى ليبيا والتي اتخذت قوات القذافي حينها قرارا بالمواجهة المسلحة، بدأت بعدها الاعتصامات والمظاهرات السلمية تعم صنعاء وأرجاء اليمن مطالبة بتنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح.



في تلك الأثناء، كان جيل الشباب في سوريا يبحث عن الوسيلة الممكنة كي يطلق من خلالها إشارة التغيير، أسوة بأبناء جيلهم الذين وظفوا وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد للتغلب على وسائل القمع التي اعتادت عليها أنظمة تلك الدول، إلا أن الحكومة السورية تنبهت لهذا الأمر مبكرا، ومنعت الفيس بوك ووضعت رقابة صارمة على الانترنت.



أصبح الحذر والخوف من سطوة رجال الأمن هو الشعور السائد الذي فرضته عائلة الأسد التي استأثرت بحكم البلاد والعباد لأكثر من أربعة عقود. ولأن الأطفال كانوا نبض تلك الدور وصدى لما خفي في الصدور، قاموا بكل عفوية بكتابة عبارات تطالب بإسقاط النظام على جدران مدرستهم، حدث هذا في درعا بتاريخ 6/‏3/‏2011 قامت الأجهزة الأمنية باعتقال 15 طفلا بتهمة التحريض على إسقاط النظام، تلك الحادثة وما تلاها من اعتقالات لذويهم الذين طالبوا بالإفراج عنهم، هي التي منحت الشباب الشجاعة الحقيقية لمواجهة النظام وإعلان جمعة الكرامة في 18/‏3/‏2011، وكانت الانطلاقة الحقيقية للثورة، وسقط حسام عياش ومحمود جبابرة كأول شهداء الثورة.



كسر حاجز الخوف واستمرت المظاهرات في شوارع حوران ودرعا، وسرعان ما استجابت لها حمص وحماة وبانياس، قامت القوات الأمنية بإطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين العزل وبدأت تلك المشاهد تغزو القنوات الفضائية العربية والعالمية وسط ذهول الكثير من المراقبين، خرج الأسد للعلن وأعلن عن استعداده لإجراء بعض الإصلاحات وإلغاء قانون الطوارئ، إلا أنها لم تجد صدى لدى الثوار، نما زخم تلك الاحتجاجات وبلغت عشرات الآلاف، وزاد معدل سقوط المدنيين، تحدث النظام عن المندسين لأول مرة، نالت تلك الكلمة نصيبها من السخرية، وتم توظيفها في الكثير من المقالات والخطابات التي تسخر من طريقة النظام بإنكار حقيقة الأمر.



أصبحت المظاهرات عارمة في جميع أنحاء سوريا وموحدة وتحمل اسما اتفقوا عليه في كل مرة. يخرج الناس لتشييع شهداء الجمعة السابقة ويترقبون شهداء جددا مع تطويق رجال الأمن والدبابات لمدنهم وأحيائهم ومساجدهم.



استمرت الأهازيج والأناشيد وأصبح المنشد/‏‏ إبراهيم قاشوش بطلا قوميا بعد أن قام النظام بقطع حنجرته بكل وحشية، ونشر صوره لإرهاب الثوار. كان الثوار يطلقون أسماء ملهمة على مظاهراتهم واعتصاماتهم تعكس واقع الثورة وآمالها، واستمرت حنجرة إبراهيم قاشوش بإطلاق أشجى الألحان تنادي للحرية والكرامة حتى بعد غيابها.



لم تمض سوى بضعة أشهر حتى بدأت الانشقاقات تحدث بين صفوف الجنود والضباط الذين رفضوا المشاركة في قتل أبناء جلدتهم المدنيين، حدث ذلك في معارك جسر الشغور ومعرة النعمان، وفر كثيرون إلى تركيا دون تنسيق في البداية، حتى قام العقيد رياض الأسعد بإعلان الجيش السوري الحر بعد مضي أكثر من ثمانية أشهر على اندلاع الثورة.



لو تأملنا ما حدث في السنة الأولى، لأدركنا مدى سلمية الثورة وتضحياتها الجسيمة في مقابل قمع وقتل ودمار شامل لتلك المدن والأرياف المنتفضة بلا رحمة، ولا أدنى معايير للإنسانية، وفي إنكار ونفي ممنهجين لكل ما يجري، أضحى معها النظام منهكا مهزوزا، لم يتردد بقبول الدعم من ميليشيات حزب الله وإيران التي منحت النظام وصفات جديدة للقتل عن طريق الحصار والتجويع بدافع طائفي صرف.



وحين أدرك الطاغية وحلفاؤه استحالة هزيمة الثورة بدأ العمل والتخطيط على عسكرة الثورة (وأسلمتها) عبر مخابراتهم بالتعاون مع نظام المالكي الطائفي في بغداد، فأطلقوا سراح المئات من المساجين وزرعوا بينهم رجالهم وأعلنوا ولادة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأرهبوا بها الغرب وأوهموهم بأن «بشار» – ونظامه - هو الوحيد القادر على محاربتهم، وحين فشل النظام وحليفته إيران التي لم تخف نشاطها الميداني، وفي الوقت الذي أصبح الثوار على أسوار دمشق، حضر الدب الروسي بعدته وعتاده ليقصف بكل وحشية المدنيين ويبدأ حربا ضد الجيش السوري الحر والفصائل المعارضة للنظام، ولم يقصف أي منطقة خاضعة لسيطرة داعش وهو الذي تذرع بحربها.



أحداث جسيمة ومحطات عديدة شهدتها هذه الثورة العظيمة، وما الصمود العظيم لمدينة حلب لأكثر من عامين، إلا أحد أبرز ملامحها، ظلت هذه المدينة هدفا لا تخطؤه البراميل المتفجرة لطائرات النظام، قبل التدخل الروسي وقيام طيرانه الغاشم بقصف حلب وريفها بأكثر الأسلحة فتكا بالإنسان، بل إنها تستهدف المراكز الطبية والمستشفيات بشكل مباشر ومتعمد.



الآن وبعد كل ما حدث في الأعوام الستة، فإن الثورة العظيمة أسقطت «بشار» الطاغية عمليا وشرعيا من حكم البلاد، وأصبح الأمر للروس والفرس، ضحت الثورة بدماء وأرواح أبنائها حين سقط ما يقارب السبعمئة ألف شهيد، وتم تهجير عشرة ملايين إنسان.



بالنسبة للروس فنحن لا نعلم على التحديد ماذا هم فاعلون في قادم الأيام، وهذا يحدده صراع الكبار والتوازن العالمي والإقليمي، أما الغزاة الفرس وميليشياتهم الطائفية فإن حلب هي محطتهم الأخيرة لتضييق الخناق على جزيرة العرب، أصبحوا أكثر - من أي وقت مضى - استعدادا لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية المجوسية، والانتقام من عرب الصحراء أصحاب النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام الذين حطموا عرش كسرى قبل 14 قرنا. علينا ألا نخطئ هذه المرة في قراءة مخططاتهم، وأن نستعد بكل ما أوتينا من قوة، علينا أن نفعل ذلك قبل فوات الأوان.