شاهر النهاري

جدوى تكاليف وعناء البعثات الخارجية

الاحد - 18 ديسمبر 2016

Sun - 18 Dec 2016

التقيت في إحدى المناسبات الاجتماعية بشخص يعمل بإحدى ملحقياتنا الثقافية بولاية أمريكية، ومهمته تتمثل في تعريف وتوطين والاعتناء بالمبتعثين السعوديين هناك، وهذا ما أحال اجتماعنا إلى حوار صريح طريح مفصل عن المبتعثين السعوديين، وعن المخرجات التعليمية المتوقعة لهم.



وقد تعجبت كثيرا مما كان يفاخر به، بأنه ينصح المبتعث الجديد باختيار السكنى في أحد إسكانين (كمباوند)، متباعدين، أحدهما للعزاب، والآخر للأسر.



وشرح لنا كيف أن السعوديين أصبحوا أغلبية في هذين الإسكانين، بحيث تكون الحياة في إسكان الأسر مقسومة إلى قسمين، أحدهما للنساء، يزاولن فيه تجمعاتهن، وجلساتهن الصباحية، والمسائية، في بعد عن أعين الرجال.



كما تقوم النساء بالترتيب بينهن في عمليات الاهتمام بالأطفال، والخروج إلى المطاعم والأسواق، والدراسة في معهد لغة يصبحن فيه أغلبية!



وما يحدث عند قسم الرجال يكون أكثر عجبا، فلا يعودون يكترثون بأسرهم، إلا وقت النوم، لارتباطهم مع الشباب، بتعيين مسجد لهم، والترتيب لجلسات مشتركة يتجمعون فيها للراحة، والنقاش، حتى ولو كانت في أطراف الغابة القريبة، يشبون نارهم، ويذبحون ذبيحتهم، ويخدرون الشاهي، ويشوون اللحوم، ويطبخون الكبسات، ويشعلون أراجيلهم، ويتسامرون إلى أوقات متأخرة من الليل.



وحدث ولا حرج فيما يحدث في جامعاتهم ومعاهدهم، فهم أغلبية، يفرضون وجودهم على الواقع، وينتهجون عادات وطباع الدراسة نفسها التي تعلموها طوال حياتهم في مدارس وجامعات المملكة، فاللغة الإنجليزية تظل مكسرة، والملخصات تتناقلها الأيدي، والغش يسود، خاصة أن نظام التعليم هناك يعتمد ترك حرية البحث والتعلم للطالب.



دراسة بعض مبتعثينا لا تخرج عما يحفظونه عن بعضهم، وخطوات تعليمهم متردية، وتظل محلها تراوح طوال فترات ابتعاثهم.



وتساءلت عن المغزى من البعثة إذن؟ وأشرت إلى أن البعثات في السابق كانت فرصة ليعيش المبتعث تجربة الغربة بالكامل، وبكل مصاعبها، وأن يعاشر أهل البلد، سواء من خلال أسرة يسكن معها ليزيد من حصيلته اللغوية، أو بالاندماج مع المجتمعات الغربية هناك، واكتساب الصداقات وطرق أبواب التعليم الحديثة، والبحث الأكاديمي، وأداء الاختبارات بنزاهة، والإبداع ومسابقة الأجانب في مختلف العلوم والمعارف.



هذا ما كان يحدث في السبعينات للمبتعثين، قبل أن تتحول بعثات يومنا هذا إلى (كشتات) برية، وتجمعات لعب بلوت، ومهايطة، واحتواء المدرسين الأجانب، بأن أصبح المبتعثون هم من يعلمونهم اللغة العربية، والعادات والتقاليد، والكبسة، وجلسات الشيشة!



إنه لأمر محزن لكل من يفكر في معاني الابتعاث، وكيف تم تحويرها بغباء تام، وما يتم قطافه من معظم مبتعثي اليوم، حين لا يملك كثير من المسؤولين عن المبتعثين الدراية والرؤية والهدف، فأصبحوا هم من يعلمون أبناءنا الجدد كيف يعيشون يومهم في الغربة، ويتهيؤون لعودتهم بكراتينهم!



ألن يكون أهون على الدولة لو جمعت من يرغبون في مثل هذه البعثات، وابتعاثهم إلى مخيام وطني في إحدى صحارينا، يزاولون القنص واللهو والطبخ؟ وترشيح الشباب الواعي فقط، ممن يثبت تطلعهم للتعلم الحق من المجتمعات الغربية، وتطوير ذواتهم وأدواتهم، وبالتالي العودة بالخير والتميز والتطوير والإبداع؟



كارثة عظمى ما يتم حاليا بأن يقوم بعض مسؤولي الملحقيات بتضليل أبنائنا المبتعثين، وتعليمهم طرق التحايل، لينطبق فيهم المثل: (تيتي تيتي، مثل ما رحتي، مثل ما جيتي).



[email protected]