آلاء لبني

تطرف ومولد نبوي

الاحد - 11 ديسمبر 2016

Sun - 11 Dec 2016

بذور الغلو والتطرف تنشط في المجتمعات المنغلقة والتي لا يظهر على سطحها إلا الصوت الأحادي، فالتطرف يبدأ من رفض الآراء المختلفة.

بعض المجتمعات لا تقبل الاختلاف وترغب أن يكون الجميع في نفس النسق، تعشق السيطرة والسيادة والولاية في كل شيء ليس على المرأة فقط، بل حتى على الأفكار والمعتقدات، كالقضية الجدلية السنوية ذكرى المولد النبوي والتحدث حول بدعة المولد وعدم ثبوته في 12 ربيع الأول.



وتأصيل مبدأ الإحداث والابتداع والمفسدة التي تنشأ من تخصيص يوم محدد ومشابهة النصارى، وتكفير أهل البدع وأنهم في النار. ويأتي أحد مشايخ الشهرة ويرمي الناس بعدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حقا لاحتفالهم بالمولد!؟

ما الكفر في اجتماع عن سيرة المصطفى المختار أو مدحه ببعض الإنشاد دون أي مخالفات، إله واحد ونبي واحد وليست عبادة بل عادة تمارسها عدد من الدول الإسلامية وجمهور كبير من المسلمين بمشايخهم.



رميهم بالبدع والتصوف لا أعرف ما جدواه، مع أننا حين نذكر عمر المختار نذكر الجهاد والتضحية ونتناسى أنه سنوسي صوفي؟! نذكر ما قدمه الشيخ أحمد ديدات من مناظرات لنصرة الإسلام ونغفل عن أنه كان يقر بذكرى المولد النبوي ويفرق بينها وبين ذكرى ميلاد المسيح.



سئل النبي عن صيامه الاثنين فقال هذا يوم ولدت فيه، وهو شكر من الحبيب لله، لم نسمع هذا الحديث من أفواه مصنفي الناس، فجل خوفهم الإطراء والمبالغة في حبه، كأن هناك سياسة انتقاء للأحاديث حسب الغرض، وكل ما كنا نسمعه (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم).

أقر أني لم احتفل يوما بالمولد النبوي ولا بشهر ربيع الأول الذي يستحق التأمل ففيه بزغ النور المحمدي وهجرته ووفاته، ومع هذا استبشرت حين دعت لي أستاذتي بالجامعة أن ألد ابنتي بيوم المولد النبوي.



النفس البشرية تميل إلى الغلو على مسار التاريخ، فقد اتهم الإمام الشافعي في زمانه بتصنيفه برافضي لحبه لآل البيت، ورد على هذا بالبيت الشهير:

إن كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

هل من المعقول أن تقوم الدنيا ولا تقعد حول تكبير القضايا الخلافية والمتعددة الرأي والتي تزرع المزيد من الاختلاف، إلى متى يستمر الخطاب الديني المتشدد وإلى متى يستمر التصنيف؟!



أين الورع من إلقاء التهم وإصدار الأحكام، ألم يسمعوا عن الورع الذي منع الإمام الفقيه الحنفي عن القضاء، لماذا لا يتبعون مبدأ الإمام أحمد بن حنبل (لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب، ولا يشدد عليهم).



العجب ممن يشدد الحرب على المولد النبوي، ويجزل الخطاب لذكرى اليوم الوطني؟! وهناك من يكفر أصحاب المولد النبوي واليوم الوطني على حد سواء!

نحن نشاهد المآسي والحروب في عالمنا الإسلامي، وما زال البعض منهمكا في ثقافة الخلاف وفكر الرأي الواحد. وعلى علماء المنابر والدعاة دور أكبر من الدور الحالي، دور يؤصل فيه الثقافة التي تجمع ولا تفرق، لماذا فشلنا في تسويق التسامح وتقبل التنوع والتعايش؟ لماذا لا يتغير الخطاب الديني نحو التكامل وتقبل الاختلاف والاجتهاد في الرأي، ألا يكفينا أهل إبليس (داعش) وما تعيثه في الأرض من فكر التسلط والقمع، فحين أحكمت الخناق على بعض المدن رفعت راية تطبيق شرع الله وقطعت الأيدي وجلدت الرجال لعدم لباس النسوة النقاب وأجبرت النساء على لبس الأسود، وفي ذات الوقت باعتهن في سوق النخاسة بداعي المتعة! وما إن خرجن حتى أحرقت النسوة الخمار والسواد كنوع من رفض أي رمز يذكرهم بداعش.



ما وجه العلاقة بين داعش والمولد النبوي؟! التطرف صنع داعش، والخطاب الديني الذي يرفض أي خلاف ويلبسه صورة الشيطنة والتكفير والبدعة لن يوصل المجتمع إلا لمزيد من التطرف.



المنطق والعقل والوسطية تعطي الناس الخيار في اختياراتهم وليس بالإجبار والغلو.