أسامة يماني

الحروب الخاسرة

السبت - 10 ديسمبر 2016

Sat - 10 Dec 2016

شن البعض هجوما في الستينات ضد مشروع الدولة لتعليم البنات، استخدموا فيه كل الأدوات المتاحة وغير المتاحة، ولبسوا ثوب الفضيلة، ورفعوا شعار المحافظة على الأعراض، وفسقوا المخالف من أنصار تعليم المرأة. وعندما خسروا حربهم لم يستسلموا فقط، بل سارعوا في تسجيل بناتهم بالمدارس التي فتحتها الدولة. وليتهم تعلموا من أخطائهم الكثيرة وطوروا من فكرهم، بل العكس الصحيح، حيث ازدادوا في غيهم وجهلهم والإضرار بالمجتمع وتأخير تقدمه ونموه وازدهاره.



فما لبثوا إلا قليلا ليعلنوا الحرب على المذياع (الراديو) والتلفزيون والتصوير والصور، وحرموا ذلك كله باسم الدين، وحفاظا على الفضيلة والأخلاق والقيم، حيث اعتبروا المايكرفون إثما كبيرا، وكذلك الراديو والتلفزيون. وعندما خسروا حربهم ضد هذه الآلات والأجهزة مثل آلة التصوير والمسجل ومكبرات الصوت والهاتف، سارعوا لاقتنائها واستخدامها، بل وبثوا القنوات الدينية والطائفية والعنصرية واستخدموها أسوأ استخدام. أصحاب هذه الحروب يريدون أن يشغلوا المجتمع بالحروب والقلاقل والفتن ليبقى لهم القول الفصل على مقدرات المواطن والوطن.



أصحاب الحروب الخاسرة يعتمدون على ذاكرة المجتمع القصيرة التي تنسى أخطاءهم وتتسامح مع جرائمهم في حق المجتمع. فشنوا الحرب ضد الجوال الكاميرا وطالبوا بمصادرته وتهشيمه حفاظا على الخصوصية، وكل من كسر جواله لم يعوض سواء عن حقه الأدبي أو عن انتهاك حرمته وحقوقه كإنسان، لأن أصحاب هذه الحروب الخاسرة لم يعتادوا أن يدفعوا ثمن أخطائهم ولا أن يتعلموا من أخطائهم.



لقد شنوا حربا ضروسا ضد إريل التلفزيون ثم الصحون اللاقطة (الدش) وكسروها وانتهكوا حرمات المنازل بدون خوف لأنهم ضمنوا عدم العقاب أو الحساب، ولأن حروبهم مقدسة والنصر حليفهم مهما كان فشلهم وإخفاقهم. والأخطر من ذلك أنهم أصبحوا يسارعون لتركيب الدشات والرسيفرات بعد ثبوت خسارتهم في الحرب الخاسرة.



حرب على الانترنت وتحريمها على المرأة، وحرب على الأنشطة الإنسانية كالرياضة للمرأة خاصة وللرجل عامة واعتبارها مضيعة وقت وجهد. وأصحاب هذه الحروب الخاسرة يعتبرون كل من يكشف عوار تفكيرهم وضلال طريقتهم شخصا يريد تغريب وتشريق المجتمع. فقد اعتادوا إصدار الأحكام على الناس وتصنيفهم وترتيبهم مستغلين ثقافة المجتمع والعواطف الدينية. فالناس لديهم عامة وهم الخاصة، والأغلبية في نظرهم جهال وهم أصحاب الألقاب والاحترام، لا ينازعهم منازع في سلطتهم المطلقة ولا في مزاياهم.



لذا فلن يتوقفوا عن شن الحروب الخاسرة حتى لو راح ضحيتها أناس أبرياء. فقواعد اللعبة لديهم أنهم لا يتحملون ثمن أخطائهم، فهم حراس الفضيلة، وهم من يدافع عن خصوصية المجتمع وهويته، وقد نصبوا أنفسهم لذلك بلا منازع. والسؤال اليوم هو أما آن الأوان لتحميلهم الأضرار التي يتسببون في حدوثها.



أسامة يماني - (مستشار قانوني)

osama.yamani@