محمد العوفي

فوضى قطاع التأمين!

الخميس - 08 ديسمبر 2016

Thu - 08 Dec 2016

المتابع الفطن يدرك أننا عند فتح المجال لأي نشاط أو استثمار نتركه للفوضى سنوات وسنوات بدون تنظيم أو جهات تتولى متابعة تنظيمه حتى تكبر كرة ثلج هذه الفوضى، وتولد كرات من المشاكل التي تماثلها في الحجم، وتعجز الجهات التنفيذية عن تقاذفها فيما بينها، ثم تبدأ الخطوات التصحيحية لمعالجة فوضى السنوات السابقة، ومعالجات التشوهات التي تسببت بها.



هكذا نحن منذ إنشاء هيئة الاستثمار، وفتح باب الاستثمار الأجنبي الذي عاش دهرين من الفوضى والاستغلال حتى قيض الله لها قبل سنوات قليلة المحافظ الحالي المهندس عبداللطيف العثمان، الذي أخذ على عاتقه معالجة هذه الفوضى، وتصحيح مسار الاستثمار الأجنبي، ومحاولة وضعه على الطريق الصحيح، والفوضى التنظيمية، على أي حال، كانت ولا تزال السمة الأبرز لكثير من القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية، حتى وصلنا إلى فوضى قطاع التأمين.



وفوضوية قطاع التأمين التي نعيشها حاليا هي محصلة نهائية لفوضى بدأت مع منح الترخيص العشوائي للشركات، وصولا إلى ما نحن فيه من غياب للرقابة والمتابعة، وانتهاء بتعجرف شركات التأمين ومماطلتها والتسويف في الوفاء بالتزامات العديد من المطالبات المستحقة.



والحديث عن فوضى قطاع التأمين لم تنطفئ جذوته بعد، حتى بعد دخول مؤسسة النقد «ساما» على الخط لتصحيح ما يمكن تصحيحه، من خلال إيقاف نشاط بعض شركات التأمين، وإلزام بقيتها بسداد المطالبات وفق مدد زمنية محددة، وما قامت به «ساما» هي حلول موقتة وقصيرة المدى لمنع وقوع كارثة، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه على أقل تقدير، وبالتالي لا يعول عليها كثيرا في إصلاح فوضى ما يزيد على عشر سنوات، عندما كانت الشركات تملك الحرية المطلقة، فهي من يقرر، ومن يصوغ بوليصة التأمين، وهي من يحدد الرسوم كما تريد وتشاء دون حسيب أو رقيب.



ما يحدث في قطاع تأمين السيارات الذي يشكل قرابة 80% من حجم سوق التأمين هو نتيجة لما يسمى فوضى التسعير، وما نتج عنها من حرق متعمد للأسعار، حيث كانت الشركات تبيع وثائق التأمين بأقل من الحدود الفنية المقبولة لسنوات طويلة لتعظيم حصتها السوقية، دون الأخذ في الاعتبار العوامل الرئيسة للتسعير كالتكلفة الإدارية لعملية الإصدار، وطبيعة المخاطر التي تغطيها الوثيقة، يضاف إليهما نسبة الأرباح التي تستهدفها الشركة في حال التأمين التجاري، لذلك تعاني شركات التأمين من ضغوط مالية وبعضها يقف على شفير الإفلاس، وعند ذلك اتجهت إلى أساليب جديدة في المماطلة والتسويف في دفع المطالبات المستحقة. لذلك لا بد من تدخل الجهات الرسمية لإلزامها بتسوية مطالبات تأمين المركبات ومعالجة شكاوى العملاء.



هذه الممارسات غير السليمة في قطاع التأمين نتيجة طبيعية لترك هذا القطاع بدون جهات مختصة مستقلة تنظم عمله أو تشرف عليه، في ظل تساهل مؤسسة النقد وصمتها عن ممارسات هذه الشركات سنوات عديدة، والاكتفاء بوجود الأنظمة والتشريعات التي تنظم هذا القطاع، هذه الأنظمة رغم أهميتهما إلا أنها وحدها ليست كافية، ما لم تكن هناك جهة تتولى متابعة التزام تلك الشركات بهذه الأنظمة.



ما يحدث في قطاع التأمين إجمالا من فوضى سعرية أو تنظيمية تتناقض مع السياسات الاقتصادية وما يتوافق معها من منطق وعقل، يؤكد على تحليل أي قطاع اقتصادي بشكل دوري كل خمس سنوات، وبناء تصور واستنتاجات معينة حول مساره وجدواه، لا أن يترك لعشر سنوات دون تقييم لمساره، ومن الطبيعي أن يتحول قطاع التأمين إلى عبء كبير على الاقتصاد الوطني.



[email protected]