ضحكت على سكنانا أم كنت من اللاطمين

الأربعاء - 07 ديسمبر 2016

Wed - 07 Dec 2016

حاولت أن أبرر للذين لم يجعلوا من قذف النسويات المحصنات الغافلات قضية رأي عام، ولم يعتبوا على مصادري حرية الرأي والتعبير بذات النبرة، ولم يشجبوا الشتم والتنابز والتكفير بنفس القدر من الحماس، ولم يستخدموا بطاقة التنمر الالكتروني في الهجوم على الوزراء والمسؤولين.



حاولت أن أبرر لهم لطمياتهم على التندر بقصيدة «سكنانا» -كما اشتهرت- وخلصت إلى أن المبرر يمكن إيجاده في حالة واحدة فقط تتمثل في انحراف الطرفة عن مسارها البسيط عند بعض من دخلوا على الخط بعفانة فكرهم ومرض قلوبهم ليجعلوا منها سلاحا آخر واهيا يستخدمونه للانتصار لطائفيتهم المنتنة وأرواحهم المنهزمة والتي لا تتغذى إلا بتجويع الغير، وغرورهم الذي لا يتحقق إلا بالدعس على المختلف.



وفي هذه الحالة فقط أجد نفسي بين صفوف اللاطمين قلبا وقالبا، أما ما دون ذلك فقد ضحكت وما زلت أضحك مع الضاحكين غير الكارهين ولا المتشفين الذين لا هم لهم باسم الشاعر ولا وصفه أو قبيلته أو مذهبه، وإنما كانت قصيدته قد جاءت لتعزف بسخرية -أتوقعها غير مقصودة- على وتر حساس أوجع الشعب حد البكاء ضحكا، وكأن الشعب أو بعضه سئم التشكي والاستغاثة والنواح بـ «أين سكنانا» فقرر التندر والضحك حتى ينسى.



إن جئنا للحق وجب علينا أن نحيي متضرري أزمة الإسكان على روح الفكاهة، ولو أرادوا لقلبوا القصيدة على رأسه نواحا، فما جاءه من ردود الفعل هو الأقل ضررا، لو افترضنا أن به ضرر محقق فهو رجل بالغ مسؤول لا طفل مدلل يحتاج حماية من مجرد تهكم.



فقد وصلني -والله أعلم- أن من بين ما جاءه مليون ورقة نقدية وشهرة لم يحلم بها محلية وعبر الحدود، ناهيك عن أجر إضحاك كل هؤلاء الناس وإدخال السعادة ولو اللحظية إلى قلوبهم المثقلة بالهموم.



في الواقع أجدها أشبه بـ «طاقة القدر» وقد انفتحت للشاعر ولو تحلى بالشجاعة والذكاء لاستغلها لصالحه خاصة وقد وصلت شهرة قصيدته ليستثمر بها أصحاب الأعمال ولم يطالبهم بحقوقه ونسبته المشروعة، بل لعله يفتح المجال لشركات الدعاية والإعلان التي سوف تلجأ إليه ليس فقط لاستخدام كلمات قصيدته وإنما قد تعرض عليه أن يستخدم نفس نبرته الرومانسية في إلقاء القصيدة ليروج للمنتج، وقد تنفتح له مغارة علي بابا لو عرض عليه استخدام الثلاثي: الصوت والصورة والقصيدة ليخلد في أذهان الناس ويحقق رزقا -فالشعر إلا على البلاط لا يسمن ولا يغني من جوع- ويمهد لقصائد قادمة ما كانت لتجد جمهورا لولا سكنانا!



ثمن الشهرة في معظم الأحوال غال ومن المشهورين من دفعه حبسا أو نضال سنين أو حياة بعد أن ذاق الموت، ومنهم من اشتهر ببغض الناس له فلم يذق من شهرته طيبا، وثمنها بالنسبة لحيدر كان بيتا من قصيدة ألقاها في لحظة ذهبية، وكان هدفه كما يتجلى في كلمات القصيدة إرضاء الملك لا الناس ولا الشعر والشعراء.



ألا يرى اللاطمون والمتظلمون كم هو محظوظ ونظير هدفه محفوظ! لكن العبرة الآن في كيفية استغلال حيدر لشهرته غير المحسوبة وهي في أوجها فهل سوف يلطم إلى أن تنطفئ أم سوف يضحك مع الضاحكين ويعطي المزيد ليأخذ المزيد. وفي الختام له مني «أضحك الله سنك يا حيدر».