المثقف وأزمة الفعل الثقافي

الأربعاء - 07 ديسمبر 2016

Wed - 07 Dec 2016

الفعل الثقافي ليس وجاهة اجتماعية لبعض أفراد المجتمع، والثقافة ليست وصفا تشريفيا يسبقه لقب «مثقف»، لأن مفهوم المثقف ارتبط بأفراد مؤثرين في مجتمعاتهم يفكرون بعمق، ولديهم هدف ورسالة يظهران من خلال ملكة الكتابة تظهر ما لديهم من حس ناقد، وهدف المثقف مما يقدمه، هو تقديم ثقافة بشكل يمكنها من صنع واقع حضاري وإنساني أفضل، ولكنه أيضا لديه ذاتا حساسة تجعله يشعر بأن لديه دورا مهما، ولهذا وصف إدوارد سعيد المثقف بأنه «إنسان ليس من السهل على المؤسسات استيعابه».



ولا خيار أمام المثقفين اليوم سوى العمل في سبيل تنمية أوطانهم ومجتمعاتهم رغم العقبات الكثيرة وهاجس الشعور بالإحباط، غير أنه لا يوجد مبرر لأن يتنازل المثقف عن الدور المنوط به، فرغم قلة المثقفين عبر العصور إلا أنهم أسهموا بطريقة وأخرى بدفع عجلة الحضارة البشرية إلى التقدم حتى وصل الإنسان إلى ما وصل إليه الآن من تقدم هائل، وهذا باعث على الأمل في وجود ثقافة فاعلة ومثقف نشط.



ولكن لا يمكن النظر إلى عامة المثقفين بأنهم في فعلهم الثقافي سواسية كأسنان المشط، لأنهم متفاوتون في مواهبهم وقدراتهم واهتماماتهم الثقافية ومواقفهم الفكرية والشخصية أيضا، ولكن انحسار دور المثقف الفرد لصالح المؤسسات جعل وجوده ضمن مجموعة في «مؤسسات المجتمع المدني» أمر لازم في العالم اليوم، الذي هو عالم العمل الثقافي المؤسسي المنظم.



وإن أهم ما يحول بين المثقف والعمل المؤسسي هو المثقف نفسه، إذ إن تمثيله في المؤسسات مثار جدل وخلاف -بل وصراع- بين المثقفين أنفسهم، وهذا من أهم أسباب ضعف دور المؤسسة الثقافية، ويضاف إلى ذلك مسألة الخوف الاجتماعي من التغيير والمبادرة الثقافية، خوفا من تشويه صورته اجتماعيا وبالتالي منعه من تمثيل المجتمع، مما يسهم في عدم تواجده في دائرة الفعل الثقافي في المؤسسة، والاتجاه إلى العمل الفردي والانكفاء على الذات، وبذلك إتاحة للفرصة أمام فئة أشباه المثقفين للظهور والإمساك بدفة المؤسسة وفقا للمثل العربي «بيدي لا بيد عمرو»، وبالتالي الإسهام بإيجاد وليد ثقافي مشوه يأخذ الشكل الحقيقي بينما هو فارغ المحتوى في حقيقته.



وفي ظل الضعف الثقافي العام، تبرز الفرصة أمام «الراديكاليين» لنشر الجهل، وهنا من الطبيعي أن يعتبِر عامة الناس الثقافة -ليس مجرد ترف- بل خطر يتهدد المجتمع، بينما يتوه المعنيون بالثقافة في أزمات الثقافة من جهة وصراعاتهم من جهة أخرى، ليكونوا غير قادرين على مقاومة الجمود الثقافي، ولهذا من السهل أن يكون المجتمع متخلفا عن فهم وجهة النظر التي يطرحها المثقف نظرا للفارق بين الطرفين في التفكير.



ويمر المثقف السعودي اليوم بأزمة أشبه ما تكون بتوقف عجلة الفعل الثقافي العام في المؤسسات الثقافية، وهنا ليس أمام المثقفين العضويين -إزاء هذه الأزمة- إلا البحث عن فرص العمل ضمن المؤسسات غير الحكومية، وفقا لما يتيحه نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية (قانون مؤسسات المجتمع المدني) من إنشاء الجمعيات والروابط الثقافية، وذلك بحثا عن فرص للفعل الثقافي ضمن فريق متجانس، يستطيع أن يحقق دورا ما للتنمية الثقافية، وهو ما ينتظر بعد أن أصبحت المؤسسات الثقافية غير قادرة على صناعة ثقافة وتقديمها للمجتمع المحلي، فضلا عن تقديمها للعالم!