سليمان الضحيان

ما بعد الداعشية

الأربعاء - 30 نوفمبر 2016

Wed - 30 Nov 2016

(الداعشية) مصطلح يبدو أنه سيدخل قاموس الفكر العربي، وهو مصطلح يرمز إلى بلوغ الغاية في التطرف ورفض الآخر مع بلوغ غاية التوحش في استعمال العنف ضد الآخر، ونحن نشهد قرب انتهاء تنظيم داعش، نطرح سؤالا مهما: هل ستنتهي بانتهائه (الداعشية) أو ستتحور بتحور آخر كما تتحور الميكروبات بتحورات أخطر من الأصل الذي تحورت منه؟



يرى كثير من المحللين السياسيين أن فكر داعش سيظل بعد القضاء على التنظيم ما دامت الظروف السياسية التي ساهمت في نشوء التنظيم لم تتغير، ويرون أنه ربما ينشأ تنظيم أخطر من تنظيم داعش.



سنترك حديث المحللين جانبا، ونلتفت إلى زاوية أخرى من زوايا الموضوع، وهي بقاء (الداعشية) في فضاءات المجتمعات الأخرى، فهل هي قابلة للبقاء أو ستموت مع موت التنظيم؟



لعل قراءة مسيرة التطرف والعنف تعيننا على تلمس شيء من الجواب، فخطاب التطرف نشأ في فترة الستينات الميلادية معتمدا على أطروحات سيد قطب في شرك الحاكمية، ثم بداية نهاية السبعينات - ونتيجة لصعود (الحركية الإسلامية) في مواجهة اضطهاد السلطات - مال بعض الإسلاميين إلى تبني العنف فنشأت حركات عنفية مثل (أمة المسلمين) التي عرفت باسم التكفير والهجرة في مصر، ثم لاحقا في الثمانينات نشأت حركة الجهاد، وقد انخرطت هي والجماعة الإسلامية في مصر في حرب عنف عبثي مع السلطات المصرية، ثم تطور الأمر إلى حركة القاعدة، وقد ظل العنف الذي تمارسه تلك الحركات يستجدي الاعتراف الشرعي من بعض العلماء السلفيين المستقلين طمعا بالتأييد الشعبي، ولهذا فقد ظل يحافظ على الحد الأدنى - ولو ظاهريا - من الضوابط التي يتوسل بها القبول لدى العلماء والجمهور المتدين، ثم تلا تلك المرحلة مرحلة تنظيم داعش، وهي مرحلة تميزت بالانفصال التام عن واقع عالم المتدينين برموزه، وعلمائه، ودعاته، ومؤسساته، وأدبياته؛ إذ عمد التنظيم إلى صنع عالم خاص به، له منظروه، ورموزه، وأدبياته، ولهذا لم يعد خطاب العنف مع داعش ينتظر اكتساب الشرعية من خارج التنظيم، فكل من هو خارج صندوق داعش من علماء ودعاة ومتدينين هم من (القَعَدَة) الذين قعدوا عن الجهاد وركنوا، إلى الذين ظلموا، وخطاب داعش لم يكن موجها لجمهور المتدينين من غير أتباعها، ولهذا لم يكن يبالي بالرأي العام وهو يصور فظائعه التي بلغت الحد الأقصى من التوحش، وكان يطرحها مصحوبة بتنظير ديني. هذا التنظير الديني - في رأيي - هو ما سيبقى تأثيره من (الداعشية)، وسيأخذ التأثير منحيين، المنحى الأول: سيظل هذا التنظير بعد زوال التنظيم كامنا لدى فئة، ينتظر البيئة الحاضنة التي ينبت فيها، ويزدهر، ويطرح ثماره، فالأفكار غالبا لا تموت، فهي إما تكمن ثم تحيا بعد زمن بثوب جديد، وإما أن تتحور إلى فكر جديد يحافظ على أساس الفكرة، ويطوعها للظروف الجديدة.



المنحى الثاني: التنظير الديني الذي طرحه تنظيم داعش لأعماله المتوحشة أثار أسئلة كبيرة حول التراث الديني وفهم النص لدى فئة كبيرة من المتلقين، ولسان حال كثيرين أنه لا يكفي القول بأن داعش لا تمثل الإسلام خاصة أنها تطرح تنظيرا دينيا معتمدا على نصوص شرعية، وهذا كله سيساهم في تقبل الرؤى الجديدة في فهم التراث، وسيساهم في إعادة النظر في مناهج الاستنباط من النص الديني، وأثر البيئة والوقائع في فهم النص، وغالب الأفكار الكبيرة التي تؤثر في العمق هي الأفكار الناتجة عن حالات الاصطدام العنيف للأفكار القديمة بالواقع لدى المجتمع برمته، ولا أعتقد أن أحدا يخالف أن أفعال داعش وتوحشها وتنظيرها الديني لذلك تمثل الذروة من حالات الاصطدام هذه، ولعل لنا عودة لهذا في مقال تفصيلي إن شاء الله.



[email protected]