عبدالله الجنيد

على رمال الخليج

الاثنين - 28 نوفمبر 2016

Mon - 28 Nov 2016

العنوان مقتبس من كتاب تحول لبرنامج متلفز للصديق والأستاذ الدكتور عبدالله المدني الذي تتقاسمه البحرين والسعودية من حيث النشأة والتنشئة. والقصة ليست في الكتاب أو شخوصه التي تحولت إلى حلقات تؤرخ للإنسان الخليجي المعاصر في كل ضروب العمل والإبداع المعرفي والإنساني، تأريخ تساوى فيه حظ الأنثى والذكر.



من سيرة رجال مثل سليمان العليان إلى الدكتورة خولة الكريع (وسأترك للقارئ متعة البحث). وهنا لن أتناول الكاتب أو الكتاب، بل الشخصية الخليجية التي يحكيها لنا الدكتور المدني. فعلى هامش منتدى الإعلام السياسي والهوية الخليجية مؤخرا في البحرين كان التركيز كبيرا على تحديد مكونات الهوية وسبل تعزيزها، وحيث أجمعت أغلب الأوراق المقدمة على وجود المشروع وانتفاء الإرادة السياسية في تحقيقها لأسباب تستعصى على الفهم. فالهوية اعتزاز بالانتماء لا تتحقق في ظل اختلالات اجتماعية اقتصادية وتنمية

حقيقية، وأن نتائج ترحيل تلك الملفات سيكون كارثيا إن لم نواجه شياطين الوساوس الآن.



فالشخصيات التي يتناولها الدكتور المدني والتي نبغت وأعطت في ظل ظروف قاسية تخللتها الحربان العالميتان الأولى والثانية أسهمت في خلق أسس تنمية حقيقية اقتصاديا واجتماعيا ليتراجع دورها الآن في الإسهام ونحن نخطو أولى عتبات القرن الواحد والعشرين.



فكيف لشبابنا أن يقدروا قيمة الانتماء دون نماذج من تاريخهم الوطني يقتدون بها إن كانت «الفهلوة» أساس النجاح. فالشخصيات التي تناولها الدكتور المدني تركت إرثا معرفيا وماديا، وبعض ورثتهم استطاع استدامة الثروة، وآخرون فشلوا في ذلك، إلا أننا جميعا ندرك أن تلك الروح لا تزال جذوتها متقدة في قلوب شبابنا إن تم توفير المناخ المناسب لتحقيق ذاتهم إنسانيا، وهنا نحن نتحدث عن تكافؤ الشروط في سوق العمل بين المواطن وغيره.



فبرامج توطين المهن وضعت لتفشل ليس بفعل النوايا بل لخضوعها لقواعد سوق مصطنعة، فكيف لخريجينا المنافسة في سوق عمل غير متكافئ في القطاع الخاص، والخريج سينافس من سيقبل بأقل من الحد الأدنى للأجر الضامن لحياة كريمة في وطنه، في حين أن الرواتب تحدد حسب تكلفة المعيشة في الهند أو الفلبين مثلا. فعن أي توطين تتحدث هذه البرامج. وحتى التميز العلمي والإبداعي ليس بضمانة لتحقيق طموح هؤلاء في خليج البرامج والرؤى، وأبلغ الأدلة الاعتراف بهم خارجا فتنتفع بهم دول أخرى في حين ينكر عليهم الإسهام في بناء أوطانهم.



إن أراد أحد التحدث عن الهوية فعليه أولا النظر إلى وضع أسس تحقق لشبابنا الفخر في الانتماء الوطني، أي الحق في حياة كريمة تتساوى فيها الحقوق والمسؤولية.



وإن أردنا الاستدلال فكل ما علينا عمله هو العودة لبرامج حقيقية مثل التأهيل المهني والفني في برامجنا الاستراتيجية قديما. أما الاستسلام لقواعد السوق التي لم تنتج اقتصادا حقيقيا فيجب تجاوز ثقافته فورا. أما في البحث عن الأمثلة الوطنية الخليجية والدولية الناجحة فهي كثيرة ومتعددة.



ولربما من الأجدى مراجعة برامج التأهيل التي تبنتها الإمارات العربية، وكذلك برنامج وزير العمل الأمريكي الذي أتحدى أن يعرف الكثير من مسؤولينا الخليجيين حتى اسمه الأول لانشغاله الدائم في تخليق وظائف مستدامة. وتعتبر برامج إعادة التأهيل الفني والمهني أحد أنجح برامج وزارته أمريكيا.



وكذلك هو الحال بالنسبة للبرنامج الوطني الاستراتيجي البريطاني لحماية المهن والحرف من الانقراض. فذلك البرنامج يشترط على الشركات المتعاقدة مع الدولة تخصيص جزء من تلك العقود في برامج تأهيل الشباب البريطاني، وتعد الصناعات الدفاعية أحد أكبر الشركاء في ذلك البرنامج. والمثال الأخير من النمسا، فهي الدولة الأكبر أوروبيا في تحويل الدعم الحكومي إلى برامج تنمية استراتيجية. ويعد إقبال الشباب النمساوي على حقل الزراعة مصدر فخر للنمسا وحسد جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.



إذا أردنا تحقيق اقتصاد حقيقي فيتوجب علينا أولا وفورا تحديد الحد الأدنى للأجور، والتوقف عن الحديث بشأن توطين المهن إن كان سوق العمل لا يحتكم إلى قوانين تكافؤ الفرص من حيث الأجور والرواتب. أما رفع الدعم عن السلع والخدمات فيجب أن تسمى إعادة توجيه لتلك البرامج ليكون المواطن شريكا فيها.



[email protected]