سليمان الضحيان

هل ستأتي خلافة على منهاج النبوة؟

الأربعاء - 23 نوفمبر 2016

Wed - 23 Nov 2016

يعتقد كثير من المتدينين أن المسلمين في تاريخهم كله كانوا تحت خلافة جامعة لكل بلاد المسلمين، وكانت تنعم البلاد تحت حكم الخلافة بالرخاء، والقوة، والأمن، وأنه بإسقاط الخلافة العثمانية قبل قرن انفرط عقد بلاد المسلمين، وهذا ما يجعل من إعادة الخلافة فرضا واجبا على المسلمين.

ولست بصدد تفنيد خرافة شمول الخلافة لبلاد المسلمين كافة، فقد كتبت في هذا مقالا بعنوان (الخلافة تجربة تاريخية، وليست فريضة دينية)، أو خرافة الرخاء والأمن الدائمين، فقد كتبت عنه مقالا بعنوان (الجانب المظلم المسكوت عنه من تاريخنا)، لكن ما جعلني أعود لموضوع (الخلافة)، الأخبار التي تنبئ عن قرب سقوط خلافة داعش، التي تدعي أنها خلافة على منهاج النبوة تصديقا لنبوءة وردت في حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان استعمالها لذلك الحديث من أهم الوسائل التي أثرت بها على عقول الشباب للالتحاق بها.



والحق أن هذا التعلق بهذا الحديث ليس خاصا بداعش، فلقد كان له أثر عميق في الفقه السياسي لمجمل الحركات الإسلامية، فما حديث (الخلافة التي على منهاج النبوة)؟، روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». وحسب القراءات المعاصرة في أدبيات الحركات الإسلامية لهذا الحديث نحن اليوم في عصر الملك الجبري الذي ستكون بعده الخلافة على منهاج النبوة، ولهذا فعلى المسلم الاستعداد ليكون جنديا من جنود تلك الخلافة القادمة.



هذا الحديث في اعتقادي ينتمي للأحاديث السياسية التي راجت في نهاية الدولة الأموية وبداية العصر العباسي، وغالب تلك الأحاديث علامات الصنعة والوضع واضحة فيه، ومن يطلع على كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد تهوله كثرة الأحاديث النبوية في الكتاب التي تذكر نبوءات عن أحداث سياسية، وولاة، وسلاطين، ومعارك، ولا تحتاج لكثرة تأمل؛ لتكتشف أنها وضعت في مهاجمة فريق سياسي، ونصرة آخر، ولن أقرأ متن الحديث على ضوء أحداث التاريخ في هذا المقال؛ لأني أدرك أن كثيرا من المتدينين -وهم المعنيون بهذا المقال- لا يبالي بأي قراءة لمتن حديث -مهما كانت- ما دام قيل في سنده: إنه صحيح، أو حسن، ولهذا سأترك الكلام عن متن الحديث، وألخص دراسة حديثية لإسناد هذا الحديث قام بها أحد المتخصصين بالحديث النبوي، وهو د. صلاح الدين الأدلبي؛ لنقف على حقيقة إسناده.



هذا الحديث روي عن ثلاثة من الصحابة، روي عن أبي عبيدة بن الجراح، وقد روي عنه من ستة طرق، أحدها فيه انقطاع، والثاني في أحد رواته من هو ضعيف لاختلاطه، وآخر يرسل في حديثه، ولم يصرح بالسماع، فهو مرسل، والطريق الثالث في سنده مجهولان، فهو سند تالف، والطريق الرابع في سنده راو متروك الحديث، وآخر منكر الحديث، فهو سند تالف، والخامس فيه انقطاع فهو ضعيف، والطريق السادس فيه من هو منكر الحديث، وآخر كثير التدليس عن الضعفاء. وروي عن ابن عباس من طريق فيه راو مختلف فيه. وروي عن حذيفة بن اليمان من طريقين، الطريق الأول في سنده من هو مدلس، وفيه انقطاع فهو سند ضعيف، والثاني في سنده داود بن إبراهيم، وهو مختلف فيه، من يكون؟ فهناك راويان بهذا الاسم، أحدهما ثقة، والآخر متروك الحديث؛ فهو كان يكذب في حديثه.



فالحديث من الناحية الحديثية كما ترى، ومع مرتبته المتدنية هذه فقد بنى عليه كثير من المنظرين في الفكر السياسي الإسلامي الحديث جبالا من الأحلام، ولا تفسير لهذا إلا شدة التوق إلى مرحلة الخلاص، وهي حالة متعارف عليها في علم الاجتماع، فالأمم الضعيفة تتوق إلى الانتقال إلى مرحلة القوة؛ وبما أنها لا تملك مقومات الانتقال، تظل تسكنها الأحلام، ولهذا قلما خلا مجتمع بشري على اختلاف أديانه وثقافته من انتظار مخلص يأخذ بيد المجتمع إلى يوتوبيا فاضلة، ويوتوبيا المسلمين الضعفاء اليوم رجوع الخلافة على منهاج النبوة.



[email protected]