سليمان الضحيان

هل هي بداية نهاية الرأسمالية المتوحشة؟

الأربعاء - 16 نوفمبر 2016

Wed - 16 Nov 2016

فاز ترامب بالرئاسة الأمريكية خلافا لكل توقعات المراقبين واستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات محترفة في قياس الرأي العام. ورغم تكتل الإعلام والنخب الأمريكية ضده، حيث وقع أكثر من 100 من كبار الممثلين في هوليوود على بيان بعنوان (الاتحاد ضد الكراهية)، لدعوة الناخبين لمنع وصول ترامب للرئاسة، وممثلون آخرون صوروا فيديوهات تحدثوا فيها عن ترامب، وأن وصوله للحكم يمثل كارثة على البلاد. ولأول مرة في تاريخ الصحافة الأمريكية خرجت بعض كبريات الصحف عن تقاليدها بالوقوف على الحياد بشأن مرشحي الانتخابات، لتناصر كلينتون صراحة. ومع فجاجة خطابه وفقدانه الخبرة بالعمل السياسي.. مع كل هذا فقد فاز ترامب، فما دلالة هذا الفوز؟



يكاد المحللون يجمعون على أن فوز ترامب ينبئ عن أمرين، الأمر الأول: أنه نتيجة من نتائج آثار العولمة التي بدأت في أواخر الثمانينات، وأطلقت العقال لقوى السوق والشركات العابرة للحدود، وحرية حركة الأموال والسلع، وتقليص دور الدولة، مما أنتج رأسمالية متوحشة كان لها آثار مدمرة على الطبقة الوسطى في أمريكا، وخاصة في أوساط القوى العاملة في المنطقة التي يطلق عليها حزام الصدأ في بعض الولايات الوسطى التي شهدت هجرة كثير من مصانعها إلى الخارج.. إلى المكسيك والصين والهند وفيتنام.



وقد لخص آثار الرأسمالية المتوحشة على الشعب الأمريكي جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، يقول «لقد أصبح عدد من الأمريكيين الآن أسوأ حالا على المستوى الاقتصادي مما كانوا عليه قبل ربع قرن من الزمن، فالدخل المتوسط الذي يحصل عليه الموظف الذكر بدوام كامل الآن أقل مما كان عليه قبل 42 عاما. إن أداء الاقتصاد الأمريكي ككل كان جيدا طوال العقود الستة المنصرمة، فقد ازداد الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من ستة أضعاف، ولكن ثمار النمو ذهبت لقلة قليلة نسبيا عند القمة».



ولقد بدأت آثار الرأسمالية المتوحشة تثقل كاهل الطبقة المتوسطة منذ بداية الألفية، وهذا ما عبرت عنه المظاهرات التي عمت مراكز المال في نيويورك، ولندن، وبرلين، ومدريد وغيرها. وفي تقرير بعنوان (العولمة وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي) نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، خلص إلى أن مستوى المعيشة ومعايير الرفاهية في أوروبا في الخمسينات والستينات أفضل منه اليوم، فالبطالة في منطقة اليورو تجاوزت 10%، والاقتصاد الإيطالي أصبح أصغر مما كان عليه عند إطلاق العملة الموحدة، وانحسر اقتصاد اليونان إلى الثلث، وأوشكت على الإفلاس. هذا الواقع الذي صنعته الرأسمالية المتوحشة هو ما أنتج ظاهرة ترامب، إذ إن خطابه الانتخابي قد بشر بعودة إنعاش الطبقة الوسطى عن طريق إعادة توطين الصناعات بفرض ضريبة باهظة على منتجات الشركات المهاجرة مما يحملها على العودة، ووقف تدفق العمالة المهاجرة الرخيصة.



والأمر الثاني الذي ينبئ عنه فوز ترامب هو صعود اليمين المتطرف، فقد كان خطاب ترامب يحمل بعدا عنصريا ضد الأغراب من المسلمين والمهاجرين. وكثير من الذين انتخبوه من طبقة البيض المحافظين الذين يرون أن هوية أمريكا الحقيقية هي في العنصر الأبيض، والبقية أقليات طارئة على أمريكا. وهذا الصعود لليمين المتطرف سبقه تنامي الأحزاب اليمينية في عدد من الدول الأوروبية، كفرنسا، والنمسا، وهنغاريا، وفوزه في ألمانيا، وبلغاريا. ولا شك أن فوز ترامب قد يساهم في فوز أحزاب اليمين الأخرى في بعض تلك الدول بالسلطة.



السؤال: هل سيسعى صناع القرار في الدول الغربية وأمريكا خاصة لمعالجة هذه الآثار قبل أن تستفحل، أم إن مصير العالم سيؤول إلى ما تحدث عنه جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد «قد يترتب على الفشل في معالجة آثار العولمة الاقتصادية انقسام المجتمعات، وتقويض الديمقراطيات، وإضعاف الاقتصادات».



أحسب أن الديناميكية الغربية بما تتميز به من سرعة التأقلم مع المشكلات والبحث عن حلول لها، ستنقل العالم إلى مرحلة جديدة، وإن غدا لناظره لقريب.