في ذكرى رحيله الأولى.. افتقدناك يا حكيم اليمن

الخميس - 10 نوفمبر 2016

Thu - 10 Nov 2016

مر عام كامل على رحيل القامة الوطنية اليمنية والشخصية العالمية الفذة الدكتور عبدالكريم الإرياني، الذي انتقل إلى جوار ربه في وقت عصيب من تاريخ وطننا وأمتنا اليمنية الحبيبة، رحل متمنيا انتصار المشروع الوطني على قوى الانقلاب الغاشم، رحل وقد أناخ راحلته بعد سفر طويل ونضال عظيم في دروب السياسة والإدارة والقيادة حتى أفضى بحكمته إلى وصف الوضع الخطير الذي آلت إليه اليمن بعد إسقاط الحوثيين للعاصمة صنعاء بأنه «وضع شاذ» بكل ما للكلمة من معنى.



رحل الدكتور الإرياني وقد توج تاريخه السياسي والإداري والوطني بمواقف ليست غريبة على شخص كمثله، حيث أجمعت الأوساط اليمنية وغير اليمنية كافة على تفرده بالحكمة اليمانية بلا منازع، فقد كان أيقونتها، وصلبها وأساسها، وعقل المحب وخيال الروائي ومنطق العالم وفيلسوف السياسة، ونابغة الاقتصاد وعراب الفكر والإدارة.



لقد مثل رحيل الدكتور الإرياني خسارة كبيرة على اليمن، في ظل الظروف الحرجة التي نمر بها، وبظني أن كثيرا من الناس لم ينسوا إدراك راحلنا العميق لحجم التهديدات والمخاطر التي تواجه الوطن، ولما يميز شخصيته الوطنية وانحيازه إلى الحق والحقيقة دائما، كما عرفه وعهده وخبره اليمنيون، فقد اختار تأييد الشرعية الدستورية، ممثلة في فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأكد على ذلك بقوله نحن لدينا رمز للشرعية رئيس منتخب.



وحتى آخر لحظة من حياته الحافلة بالنضال والعمل الحكومي لم يتأخر عن رفع صوته مؤيدا للشرعية ورافضا للانقلاب في كل المحافل المحلية والإقليمية والدولية.



لم يكن الدكتور عبدالكريم الإرياني شخصية سياسية يمنية وحسب، بل كان شخصية وطنية خالدة ومرجعا مهما لكثير من مراكز البحوث وصناع السياسات حول العالم، إزاء العديد من القضايا الدولية الشائكة والمعقدة، فقد كان فقيها محنكا في السياسة والعلاقات الدولية، وخبيرا حكوميا لا يشق له غبار في المجال الاقتصادي والإداري، إلى جانب أنه كان ضالعا في معرفة السياسات العربية والغربية، على حد سواء، وكان – رحمه الله – عالما بشؤون وشجون عصره، وملما قارئا للتاريخ من منظور معاصر وواقعي، فقد كان يؤكد أن لدى اليمنيين تراثا يسمح بقيام دولة مدنية يسود فيها القانون، وكان يرى أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية هي الخارطة الأساسية باليمن وصولا إلى إجراء الانتخابات، وأن مخرجات الحوار الوطني هي الوسيلة الوحيدة لرفع الظلم سواء على الجنوب أو غيره.



كان يؤمن بأنه ليس هناك من يفرض على الدولة أي قرار على الإطلاق، وكون اليمن يتعاون مع المجتمع الإقليمي والدولي فهذا شيء متعارف عليه وطبيعي في العالم كله.



في ذكرى رحيله المؤلمة، لعل الجميع يكتشف بوضوح حجم الفراغ الذي تركه غيابه عن الساحة اليمنية، فقد كان الاستئناس برأيه أساسا لبناء القرارات الضخمة التي حدثت في تاريخ وحياة الشعب اليمني، ولأن العظماء ترحل أجسادهم فقط تظل مبادئهم وأطروحاتهم ومواقفهم شاهدة على عظمتهم وتأبى ذاكرة النسيان أن تطويهم.



كم نحن اليوم بحاجة إلى استلهام المبادئ العظيمة والمواقف التاريخية لراحلنا الكبير وقراءتها وتجسيدها في واقعنا، لتظل نبراسا يضيء حاضرنا ومستقبلنا. رحم الله الدكتور عبدالكريم الإرياني فقد كان خسارة شخصية لي قبل أن يكون خسارة لكل اليمنيين، وبقدر ما أشعر بألم الرحيل والفراق إلا أني سأظل على خطاه في مواقفي والانحياز للوطن أولا وأخيرا.



أدعو الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته، وأن يحفظ بلادنا ويعيد إليها الأمن والاستقرار والسلام الذي ننشده، والهدف السامي الذي نسعى للوصول إليه جميعا، وهو قيام دولة مدنية اتحادية حديثة يسودها النظام والقانون.