بين السجن الرسمي وسجن الأسرة تقبع الأنثى

الأربعاء - 09 نوفمبر 2016

Wed - 09 Nov 2016

كنا قد تابعنا قضية مريم ابنة القبيلة ووقفنا على تفاصيلها وتطوراتها، وكيف أنها نشأت في منزل سعودي تقليدي، حيث الولاية تخيم كغيمة سوداء فتسرق أحلام نساء البيت وسنين أعمارهن وخياراتهن، بكلمات أخرى تسرق حريتهن التي كفلها لهن خالقهن ليغدون مملوكات لا صوت لهن ولا قرار، ولا حتى رأي ليس فيما يخص المنزل والأسرة فحسب بل حتى فيما يخص أمورهن الشخصية من أهمها وحتى أبسطها.



مريم شابة قاربت على الثلاثين أهدرت سنين عمرها وهي مستسلمة اعتقادا منها أنه لا خلاص لها من جحيم الولاية سوى في الموت، فهي تحب عائلتها ولا تريد أن تخسرهم حتى لو عنى ذلك أن تكسب حياتها، وبالنسبة لهم فإن ولايتهم على نسائهم أمر جلل وبسقوطها تسقط العلاقة بأكملها، وبذلك فمن تحرص من نسائهم على استمرار العلاقة لا خيار لها إلا أن تقبل بولايتهم مهما جرت من تعسف وحرمان وظلم.



تلك ليست نظرة أولياء مريم وحدهم، إنما هي حالة اجتماعية تصف وضع شريحة عظمى من شرائح المجتمع السعودي، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي إلا متنفس تخرج إليه بعض تلك النسوة من داخل أقفاص الولاية ليعبرن عن أوضاعهن البائسة ويجدن عينا تقرأ ويدا تجيب ربما تخفف عليهن ألم الوحدة وقسوة الحرمان.



وقعت عينا مريم على مطالبات إسقاط الولاية وقرأت فيها آراء شرعية إيجابية، مما أعاد ثقتها في الحياة وفي أمل أن يعود أمرها إليها لتملكه يوما من الأيام، وأنه ربما -فقط ربما- تكتب لها حياة قبل الممات.

قررت مريم مدفوعة بكل ما يعتريها من قهر أن تدخل أرض المعركة وتطالب بحقها في أن تملك أمرها لعل وعسى أن يتحقق بصوتها وصوت كل من تعاني من تبعات الولاية المطلقة وعي اجتماعي ومؤسسي بحجم الظلم الواقع وآثاره السلبية على النساء والأسرة والمجتمع تباعا.



الفرق يكمن في أن مريم الشجاعة قررت أن تطالب باسمها الحقيقي وصورة هويتها الرسمية لدحض اتهامات المعارضين لإسقاط الولاية من أن المطالبة تدار بأيد خارجية مغرضة وأن المطالبات مجرد معرفات وهمية أجيرة! جرأتها أثارت الرأي العام - نفسه الذي يثيره كشف أي امرأة سعودية غطاء وجهها -وأثارت أخيها المعنف- الذي هو أساس دافعها للمطالبة بإسقاط الولاية، مما دفعه لزيادة التعنيف مع قذفها.



لكن مريم المناضلة لم تكن قد سلكت طريق المطالبة بالحقوق الوعر إلا لأن الطريق الآخر أكثر وعورة وظلمة. لم يزدها عنف أخوها إلا قوة وإصرارا على وضع حد لهذه المعاناة، فقامت باستخدام الأدوات القانونية المتاحة لها ورفعت قضية قذف ضده. لجأ المدعى عليه إلى ضغط والدها الذي كان عونا ليس لها وإنما مع الظالم عليها، فهددها هو الآخر برفع قضية عقوق ضدها إن لم تتنازل عن قضيتها ضد أخيها.



صمدت مريم ورفضت التنازل، واستخدم أخوها نفوذه لتقبض عليها الشرطة وتضعها في سجن ومنه لدار رعاية الفتيات بتهمة العقوق. قضية مريم حركت العالم وتعاطف معها القاصي والداني ووصلت للإعلام العالمي، كيف لا وهي رمز لمعاناة الكثيرات بين ولاية جائرة وقوانين مساندة لذلك الجور وغير منصفة للمرأة.



وفي خضم تلك الضجة الإعلامية أتت التعليمات بالإفراج عن مريم مع توقيع أولياء أمرها على تعهدات بعدم التعرض لها بعنف أو أذى. مع ذلك رفضت مريم الحرة الخروج من سجنها الرسمي لسجنها الأسري وطلبت الاستقلال الذي هو حق أي راشدة..! لكن أنت تشائين يا مريم ونحن نشاء معك والولي يفعل ما يشاء. أخرجت مريم من دار الرعاية قسرا وأعيدت لوليها لكن قضيتها لم تنته.. هي باقية ببقائها وبقاء كل النسوة الحرائر.