مرور الرياض وعلى المكشوف

الجمعة - 28 أكتوبر 2016

Fri - 28 Oct 2016

عندما نتحدث عن مدينة كالرياض الحبيبة ونتناول أي شأن مرتبط بها علينا أخذ الحيطة والحذر دائما، لأنه لا يجوز ولا ينفع أن نتناول الأمور بشكل انتقائي أو غير كامل، ولا أن نمر مرور الكرام. المدينة ليست فقط كبيرة بل آخذة في الاتساع والزيادة السكانية، ولها ظروفها المناخية والمجتمعية والسياسية والأمنية الخاصة بها، نعم ليست وحدها المدينة الكبيرة في هذا العالم، لكن هذا لا يمنع أن نتحدث عن خصوصيتها الثقافية والفكرية والمجتمعية والأمنية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عند الحديث عن ملف المرور فيها فإن الأمر يحتاج إلى وقفة ذات فسحة كبيرة لنعطي الموضوع حقه، ونمدح وننتقد، والأهم، نتوصل إلى حلول جذرية.



بداية حتما علي أن أوجه تحية إلى ذلك الشاب المواطن عسكري المرور الواقف تحت أشعة الشمس اللاهبة؛ ليقوم بعمله الموكل إليه، تحية إجلال وإكبار لهؤلاء الجنود المرابطين على أرض عاصمتهم الأغلى، القائمين بتنظيم المرور والمساهمة في أن يذهب كل إلى مبتغاه، وعلينا التنويه إلى أن رجل المرور ليس رجل أمن فقط، بل هو مختص بالشأن المروري، وبالتالي فإن الخلط بينه وبين رجل الأمن أمر غير منطقي، لأنه ليس مجهزا لا تدريبا ولا سلاحا لكي يتدخل لحل مشكلة، أو إيقاف اعتداء أو سطو، هو فقط مختص بالمرور والمركبات على الطرق.



الرياض تكفيك جولة واحدة فيها لتصل إلى قناعة أنك بحاجة إلى رجل مرور لكل مركبة، ولكل دوار، ولكل دخلة شارع، الثقافة المرورية شبه معدومة إن لم تكن فعليا معدومة كليا، مستوى احترام الأنظمة والتعليمات متدن جدا، إن لم يكن معدوما أيضا، وهذه حقيقة وليست مجرد جلد ذات، أو محاولة لتبرير أمر معين، ولا نقول إن إدارة المرور كاملة لا يوجد ما تحتاج إليه من تعديل وتصويب، لكن نقول إنها تتحمل جزءا من المسؤولية التنظيمية الرقابية، وهو جزء يعتمد أساسا على الجزء الآخر المتعلق بالناس، ما الذي يمنع سائق أي مركبة أن يقف على أي دوار ويعطي الأولوية لمن هو في داخل الدوار؟ ما الذي يمنع الداخل من شارع فرعي إلى رئيسي أن ينتظر قليلا ويتريث؟ ما الذي يمنع من الالتزام بالسرعات المحددة والمعلن عنها على الطرق؟ ما الذي يجعلنا نتسابق على قطع الإشارة الحمراء فقط لأنه لا يوجد عليها «ساهر»؟



تنوع مستويات الثقافة لدى السائقين، وضغوطات الأزمات المرورية، وضغوطات الوقت، وحفريات المترو حاليا، كل هذا يجعل من الصعوبة بمكان أن تبدأ بعملية حل جذرية موقتا على أقل تقدير.



في الرياض من 600 إلى 700 دورية مرورية يوميا تجوب الطرق والشوارع، لا نشعر بها لأنها مدينة متسعة ولأننا لا نقوم بإحصاء الدوريات كاملة، إدارة المرور هي المؤكد للالتزام بالأنظمة والمراقبة على أرض الميدان، لكن هي ليست جهة تشريعية بالتخصص البحت، وبنفس الوقت لا يجوز إسقاط مواقف فردية أو سوء فهم قد يحدث بين المواطن وبين رجل المرور في وصف حالة أو الإبلاغ عن حادث على إدارة كاملة، الأمر حاليا يحتاج منا إلى أن ننتظر ونصبر إلى حين الانتهاء من حفريات المترو وقطار الرياض لتتضح الصورة نهائيا وتفتح الشوارع الرئيسية والفرعية، وأتمنى أن لا نحبط الجهود وأن لا نكون طابورا خامسا نبخس حق كل شيء.



معظم دول العالم شبه المثالية أنت لا ترى رجل مرور فيها، لكن ترى حسا وطنيا والتزاما أخلاقيا عالي المستوى بالأنظمة والتعليمات، لكن الأمر مختلف لدينا كليا، لأنه عندما تسقط جزئية الالتزام الأخلاقي بآداب وقواعد المرور فإنه من الطبيعي أن نبدأ البحث عن بديل، والأولى هو رجل المرور، لا نبحث عنه لنعطيه حقه بل لننتقده وليكون الشماعة، لكن الأصل أن نقف معهم ونتكاتف ونتعاون، وأن نضرب بأنفسنا المثل الجيد، لنجرب أن نلتزم لنكتشف كم أضعنا على أنفسنا من وقت وجهد ومال وأرواح.