عبدالعزيز الخضر

خبراتنا الداخلية.. بين تقشفين!

السبت - 01 أكتوبر 2016

Sat - 01 Oct 2016

يفترض أن تكون خبرتنا الإدارية والمالية في العجز أكثر من الفائض، والتي استمرت لحوالي عقدين منذ 1983 إلى 2003، وكانت مراحل عصيبة سياسيا مع حروب تاريخية، ولا يزال جزء كبير من الجيل إداريا وتجاريا عايش هذه التجربة على مستوى العمل الحكومي والرؤية وطريقة إدارة مشاريع الدولة في الحدود الدنيا من الإنفاق، وكيف تجاوب القطاع الخاص مع هذه الظروف، وما هي الأنشطة التي تحسنت والأنشطة التي أصبحت خاملة في هذه المرحلة.



هذه الخبرة قريبة جدا، ومن لم يعايشها في الميدان العملي والتجاري عايشها في الدراسة بمختلف المراحل. مرحلة ليست بعيدة زمنيا، طمرتها موجة الفائض النفطي الهائل لعقد ونصف، وقد تباطأ فيها التفاعل مع هذه الزيادات والوفرة بالسنوات الأولى بعدم القدرة على التعامل مع نفط وصل إلى ضعف السعر التاريخي ثم وصل إلى الضعف الثاني والثالث والرابع حتى الخامس عند المئة دولار، وهي بحاجة إلى تقييم منهجي لمستوى النجاح في إدارة الوفرة، واليوم منذ عامين ما زال النفط فوق معدل سعر الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية بأكثر من ضعف، ومناسبة جدا لتوقيت الإصلاحات الاقتصادية، لكن كيف ومتى وما هو المعدل الزمني للتغيير الذي يحتاج تضافرا متنوعا للخبرات، وعدم تجاهل مختلف الآراء والخبرات المحلية التي عايشت تحولاتنا النفطية ومعرفة تأثير أي قرار على المدى البعيد، فبعضها يحدث تأثيرات اقتصادية سلبية أو إيجابية، وبعضها اجتماعية واضحة وعميقة وبعضها سياسي وتغير بالاهتمامات.



مشكلة هذه التغييرات أنها لا تأتي فجأة لأنها تحولات بطبيعتها بطيئة، لكن إذا ظهرت واستوعبت كحقيقة في الواقع يكون فات الأوان لتصحيحها وتلافي مخاطرها، ولهذا تبدو أهمية أن يكون التغيير بمعدل يتناسب مع ضخامة الاقتصاد وإعادة هيكلته، بحيث لا تحدث هزات تربك القطاعين العام والخاص. فكرة التقشف لا يوجد اعتراض على أهميتها وقد بدأنا في السعودية إجراءات تقشفية مع نهاية التسعينات عندما اقترب سعر النفط من عشرة دولارات، وكان العجز مرتفعا، سميت في الإعلام والصحافة بمرحلة الترشيد وفعلا تم البدء بها، وساد خطاب التقشف والترشيد في المشروعات التي كانت تحت ضغط عجز الميزانية، فتأثرت كثير من الوزارات ومؤسسات الدولة في استكمال خططها. كان الخطاب الإعلامي الرسمي وقتها يحاول ترسيخ ثقافة جديدة تصحح بعض أخطاء الطفرة الأولى، ويؤكد دائما أنه لا عودة لأسعار النفط ولن تأتي طفرة أخرى، وأن على المجتمع والشباب أن يتكيف مع هذا الوضع. ظهرت العديد من الكتابات في الصحف وخطابات بعض المسؤولين في هجاء ثقافة الطفرة الأولى التي غيرت أخلاقيات العمل وأثرت على كفاءة الإنتاج.



لكن الفارق اليوم أن قرارات التقشف تحدث ليس في ظل أسعار تلك المرحلة في كل شيء، فقد كان الراتب الحكومي بمعدل سبعة آلاف ريال يستطيع أن يعيل أسرا كثيرة بسهولة، وعندما تدقق في أسعار كل شيء ستجد أن ما لم يتضاعف سعره فقد زاد بأكثر من 50%. افتراض أن كل شيء سيعود لسعره القديم هو مجرد سواليف وجهل بطبيعة التضخم في حركة الاقتصاد العالمي، وأن أي تراجع بسعر هو تراجع محدود مع تصاعد تاريخي ولا يعني أن تعود أسعار السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات إلا في لوحات دعاية وكالات السيارات والأثاث للتسويق.



واستحضار هذا يجعل صناعة القرار في وعي أفضل لتوقع نوع المشكلة التي تترتب على سرعة هذه التحولات حيث من المفترض أن يكون هناك مسافة زمنية كافية بين رفع الرسوم وبين قرارات المس بالعلاوات والبدلات، وسنة واحدة ليست كافية للتكيف، وليست مجدية في تفعيل آلية التحول، فالتقشف له مخاطره ليست النفسية وتطييب خاطر الناس العاديين فقط، وإنما في تماسك الاقتصاد والثقة فيه.



في قرارات المس بالبدلات ستتضرر جهات أكثر من أخرى بصورة كبيرة نظرا لأن هذه البدلات كانت جزءا من طبيعة العمل، وهذا ما لم تتنبه له وزارة الخدمة المدنية، فهي لم تميز بين أي نوع من البدلات وهذا يشبه الإخلال بصيغة التعاقد ويترتب عليه تحول كبير في بعض الجهات الحكومية، ومسألة الضغط على القطاع العام للتخفيف من معدل التوظيف ليكون هناك تحول للقطاع الخاص، توجه مهم، لكن القطاع الخاص أيضا نفسه يعاني من قدراته في استقبال القوى العاملة، وثقافة الجيل الجديد اليوم تفضل القطاع الخاص بعكس ثقافة أجيال الطفرة الأولى وما بعدها.



[email protected]