نظرية الصراع القروي القروي

الخميس - 01 سبتمبر 2016

Thu - 01 Sep 2016

سمعنا عن صراع الدول الكبرى، ونظيراتها كبرى أو صغرى، وبين الطبقات المنبثقة لكل منهج تعايشي مختلف في أنحاء العالم المتباعد الأطراف، والمختلف اللغات، والمتعدد الديانات، والمتجزئ المذاهب.



واطلعت على ما كتبه بإتقان الكاتب البحريني قاسم حسين في صحيفة الوسط عن نظرية الصراع بين القرى والمدن.. هل بقي في الجعبة شيء؟ أوهام مريضة أم بقايا تنظيرات ماركسية متقاعدة؟ أقول للكاتب الأنيق لقد تم اكتشاف نظرية لا تقل أهمية وألقا، ألا وهي نظرية الصراع القروي × القروي، ديربي محلي بين مجتمعات متجانسة دينيا ولغويا وعرفيا، ومن نسب وحسب واحد، لكن قلوبهم شتى.



فمن تعود على الصراع والتنافر سيبقى دوما يعشق هذا الطريق، وينزوي خلف ظلاله.



لعل أ. قاسم حسين كان إيجابيا وحالما في تعريفه النقي عن القرية بأنها «روح البلد» وليست نظرتي سوداوية محضة، بل ربما أضيف له «روح البلد، وانغلاق الفكر».



فلو تذكر القارئ الكريم «حرب داحس والغبراء» التي وقعت بين عبس وذبيان وهما من قبيلة «غطفان»، وكان سبب هذه الحرب سلب قافلة حجاج للمناذرة تحت حماية الذبيانيين.. هذه الحرب دامت «40 عاما»، وكانت نهاية الحرب دفع ديات القتلى من قِبَل رجلين من ذبيان.



فمن خلال حياتي الدائمة في القرية، ومعايشتي لأهاليها الطيبين.. والجلوف، البسطاء.. والأنوف، والحكماء.. والسيوف، أكاد أجزم رغم تطور القرى ومحاولتها التمدن والدخول في عالم المدنية، أنهم ما زالوا يعيشون في وهم، وعزلة اجتماعية رهيبة، تفصل كل قرية عن الأخرى، بل بعض الأحيان عن ذاتها، وتساهم في تقليص الحريات الفردية، وتمنح القول والرأي صاغرة للقبيلة وكبارها، وهنا حتما «ستنكفئ الحرية والديمقراطية على نفسها، إذ لا خيارات متاحة»..

فالمثقفون والأدباء والمعلمون يعلنون عن هجرتهم من القرى؛ بحثا عن مصادر ومنابع متعددة، أكثر انفتاحا وحرية، وقد يكون بحثا عن تقدير الذات، الذي يغيب في المجتمع القبلي المنغلق نوعا ما.



صراع القرى الدائم، ربما كان تسببه قلة الموارد المتاحة، والخدمات المقدمة، وندرة الفرص؛ لذا تجدهم يتشبثون بأقل ما يمكن، ويستبسلون في الحظوة به، ويجندون التفكير المغلق للوصول للهدف دون غاية نبيلة، وبأي وسيلة ممكنة، سواء وافقت شرعا، أو عرفا، أو خالفته.



«فكلما ضاقت دائرة العلم اتسعت دائرة النكران»، والأدهى من ذلك والأمر حين يتعالى عناد القرويين الذين لهم من طبيعة أوطانهم الجدباء، وحياتهم القاسية النصيب الأكبر، فيسعون لإيقاف الخدمات العامة، والمصالح الشخصية، والموارد البشرية، من أجل ما يعرف بـ « الهو». ولعلي هنا أتذكر مقولة «الجاهل عدو نفسه».



التصالح والتعايش القروي لا يجد مكانه في هذه القرى المباركة الهادئة طبيعيا، الهائجة من المتشرذمين، الذين تعجبهم لغة الخصام والتنافر، واعتبار الحياة فوزا وخسارة، فألا يشفع صغر القرى أن تعيش آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا.



لعل الزمن والتاريخ ينحر الجمل «داحس، والناقة الغبراء»، ويقري أهل القرية لحمها وشحمها. اللهم آمين.