محمد العوفي

فشل استراتيجية توظيف السعوديين في القطاع الخاص

الخميس - 25 أغسطس 2016

Thu - 25 Aug 2016

كثرة برامج معالجة البطالة وتعددها وتشبعها، والتغيير المستمر فيها وفي آلياتها توحي لأي متابع، سواء كان مختصا أو غير ذلك، بأن هذه الجهات تعاني من خلل واضح في الرؤية، كما أنها تعني تحويل المشكلة لحقل تجارب لحلول مبنية على الظنية الاستنتاجية التي لا مكان لها في القضايا المصيرية ذات المساس بالأمن الاجتماعي والاقتصادي.. لذا لم أستغرب أن ترتفع نسبة البطالة ارتفاعا طفيفا خلال الربع الثاني من العام الجاري.



وقبل الدخول في تحليل استراتيجية وزارة العمل في توظيف السعوديين بناء على القرائن والأدلة الرقمية، سنعرج على الأرقام التي نشرتها هيئة الإحصاءات العامة وقراءتها من زاوية إدارية بحتة، فالإحصاءات تشير إلى استقرار معدل البطالة للسعوديين الذين يبلغون 15 سنة فأكثر، حيث بلغ (11.6%)، لكنها كشفت ارتفاعا طفيفا في أعدادهم خلال الربع الثاني من عام 2016 حيث بلغوا (657.936 فردا)، يمثل الذكور منهم قرابة (35.9 %) والإناث (64.1 %)، وتركزت أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين في الفئة العمرية (25 - 29) حيث بلغت (39 %)، في حين بلغت أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين وفقا للحالة التعليمية للحاصلين على شهادة البكالوريوس (54.0%).



وبالعودة إلى استراتيجية وزارة العمل لتوظيف السعوديين نجد أنها تقوم على ثلاثة أهداف: هدف قصير المدى للسيطرة على البطالة، وهدف متوسط المدى لخفض نسبة البطالة، وهدف طويل المدى لتحقيق ميزة تنافسية اعتمادا على الموارد البشرية المواطنة، وكل هدف يندرج تحته عدد من السياسات.



هذه الأهداف يفترض - وفق المنطق العلمي - أن تكون تتابعية، بحيث تؤثر نتيجة كل سياسة على السياسة الأخرى، بحيث تؤثر نتائج السياسات الخاصة بالهدف قصير المدى على نتائج السياسات المتعلقة بالهدف متوسط المدى وتهيئ النجاح له.. وهكذا.



فالسياسات التي تضمنها الهدف قصير المدى تقوم على توظيف أعداد المواطنين الراغبين في العمل تساوي أعداد الداخلين لسوق العمل، والتوسع في توظيف المواطنات الراغبات في العمل، والتخفيض التدريجي الانتقائي للعمالة الوافدة، هل تحقق شيء منها؟ الأرقام تقول لا؛ فبطالة عند الذكور تمثل قرابة (35.9 %) من حجم البطالة، وبطالة الإناث لها النصيب الأكبر، إذ تمثل نحو (64.1 %) من عدد العاطلين، وأعداد العمالة الوافدة لم تنخفض بل زادت على خلاف ما نأمل ونريد.



ولأن لغة الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، وصوتها واضح ومسموع، فهي المقياس الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الحكم على مدى نجاح استراتيجية توظيف السعوديين من عدمه، والدلالة التي قدمتها هذه الأرقام تؤكد أن هناك ارتفاعا في أعداد العاطلين ـ حتى وإن كان طفيفا - وهذا يعني أن الوزارة فشلت في تحقيق هدفها قصير الأجل المتعلق بالسيطرة على البطالة، علما بأن هذه الأرقام لم تتناول التفاصيل الدقيقة للذين تم توظيفهم عن طريق برامج الوزارة، وبالتالي فإن البحث في التفاصيل قد يكشف أن السعودة الوهمية لها نصيب في تخفيض نسبة البطالة، كما أن المكافآت التي يقدمها «هدف» للشركات التي توظف سعوديين لها نصيب في توظيف السعوديين في القطاع الخاص وتخفيض نسب البطالة، ولو توقف «هدف» عن دفع هذه المكافآت لسرحت هذه الشركات الموظفين السعوديين الذين وظفتهم طمعا في المكافأة، واتضحت الصورة حول فشل الوزارة أكثر وأكثر، كما أن هذا يعني أن الأهداف متوسطة وطويلة الأمد بعيدة المنال في حال استمرت الوزارة في مسارها الحالي.



ختاما، يقول أهل العلم إن «الحكم على الشيء فرع من تصوره»؛ وبالتالي فإن التصور الذي قدمته الإحصائيات الرسمية، ونتائج برنامج التوظيف التي تطلقها وزارة العمل بين الحين والآخر نظام «حافز»، و»نطاقات»، و»طاقات»، و»لقاءات»، و»جاهز»، و»حماية الأجور»، و»التوطين الموجه»، وأخيرا وليس آخرا برنامج «نطاقات الموزون»، تمكن من الحكم المنطقي بهشاشة استراتيجية التوظيف التي تتبعتها وزارة العمل لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، وأنها بحاجة إلى مراجعة وتعديل، وأن الآليات التي تتبعها الوزارة في توظيف السعوديين هي الأخرى تحتاج إلى تغيير جذري، وإن لم يحدث ذلك فإن الأرقام ستتحدث عن زيادة مطردة في نسبة البطالة.

[email protected]