سليمان الضحيان

هل بدأ موت الإسلام السياسي؟

الأربعاء - 03 أغسطس 2016

Wed - 03 Aug 2016

كتب الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي مقالا بعنون: (الموجة الإسلامية.. هل بدأ الجزر؟)، تنبأ فيه ببداية أفول ظاهرة الإسلام السياسي منطلقا في تحليله من خبرة طويلة بالواقع السياسي ومعايشة له امتدت عقودا. وبحسب كلامه «على امتداد نصف القرن الذي مارست فيه العمل السياسي، من شاب مليء بالأحلام الوطنية والقومية، إلى رئيس دولة»، وقد رأى أن العالم العربي في نصف القرن الذي عايشه مر بثلاث موجات، موجة الوطنية التي عايشت نهاية الاستعمار وبداية تأسيس الدولة الوطنية، وموجة القومية وحلم الوحدة العربية، وموجة الشيوعية وشعاراتها بسيادة العالم، والموجة الأخيرة الموجة الإسلامية التي يرى أن مآلها الأفول، وإن كانت مظاهر الأسلمة اليوم تعم العالم العربي، فعلى حد تعبيره: «لقائل أن يقول من أين لك قناعة تكذبها العين والأذن؟ انظر طفرة المحجبات والملتحين في شوارع العالم، أنصت لنشرات الأخبار عن أفعال الجماعات الدينية المسلحة، قدِّر ما يظهره الإسلاميون من مقاومة (حماس نموذجا)، ومن وقوف مع الفقراء (الجمعيات الخيرية)، من حكم بلا فساد (العدالة والتنمية في تركيا)، من صمود أمام الدكتاتورية (الإخوان في مصر). لا جدال في كل هذا، لكن من كانوا شبابا مثلي في السبعينيات يتذكرون أن الاتحاد السوفياتي كان يومها قوة تبدو موجودة لألف سنة قادمة، وأن الشيوعية كانت تخطط لغزو العالم، وقد وعدت نفسها بنفسها أنه لا مستقبل إلا لها، وكل ما عداها سينتهي في مزبلة التاريخ. ربما ما زال هناك من بين المثقفين من يتذكرون أنه لم يكن بوسعك أن تبدو ذكيا وصاحب قيم لو لم تكن ماركسيا أو على الأقل (متمركسا)».



ويعزو سبب انحسار الموجة الإسلامية إلى أنه: «لم تنجح هذه الأحزاب في أخلقة السياسة كما ادعت طيلة فترة المدّ، وكما أمَّل كل الذين ساندوها، وإنما نرى على العكس أن السياسة هي التي نجحت في مكيفلة الأحزاب الإسلامية...، إنه من باب الغرور القول بأن قانون (إن بعد المدّ جزرا) لن يشمل الموجة الإسلامية». هذا التحليل والتوقع من المرزوقي هل هو صحيح، أم هو خيبة أمل مريرة نتجت من تجربته بالتحالف مع حزب النهضة التونسي بعد الثورة التونسية؟



أحسب أن تحليله يحمل قدرا كبيرا من الحقيقة، ودليلي على هذا أمور ثلاثة، أما الأول: فإن موجة التدين التي عمت العالم العربي بداية من السبعينات وبلغت ذروتها في التسعينات، خفَّت كثيرا، فالتدين اليوم في مظاهره (اللباس، والحجاب، واللحية) وفي حقيقته (الاهتمام بالعبادات) ليس كما كان في التسعينات، فعلى المستوى المحلي أذكر وأنا طالب جامعي في بداية التسعينات أن قاعة المحاضرات لا تكاد تجد فيها طالبا ليس ملتحيا، واليوم - وأنا أستاذ في الجامعة - من النادر أن أجد في القاعة طالبا ملتحيا، وإن بقي التدين الآيدلوجي الحركي قويّا، لكن هذا التدين الآيدلوجي من دون إيمان حقيقي يدفع للتضحية سيخف وهجه بلا ريب.



الأمر الثاني: فشل منظري (الإسلام السياسي) في طرح مشروع سياسي يواكب متطلبات المرحلة التي يريدها جيل اليوم الذي يعاين تجارب عالمية مختلفة في ممارسة السياسة، وحسبك أن تعلم أن المشروع السياسي الذي ما زالت الحركات الإسلامية تبشر به هو مشروع (دولة شمولية) لا تختلف مطلقا عن الدولة الشمولية التي تسعى تلك الحركات لتغييرها سوى أنها بلباس ديني، وتلك الدول بلباس عسكري، فأي إغراء لجيل اليوم والأجيال اللاحقة لتأييد مشروع دولة شمولية دينية، وهم يشتكون من تسلط واستبداد الدولة الشمولية العسكرية؟ الأمر الثالث: أن حركات العنف باسم الدين كـ(داعش) و(القاعدة) ساهمت كثيرا في تنفير كثيرين من فكرة (الإسلام السياسي)، خاصة أن ممارسات داعش بعد أن استلمت السلطة كلها مبنية على خطاب ديني يتقاطع كثيرا مع فكر (الإسلام السياسي)؛ إذ لم ينجح منظرو الحركات الإسلامية في طرح خطاب إسلامي يتجاوز التنظيرات التراثية في (فقه السياسة)، وهذا ما جعل كثيرين من جيل اليوم يرون أن الفارق بين حركات العنف وحركات الإسلام السياسي إنما يكمن في التطبيق مع الاتفاق في التنظير. ولئلا أجزم بمستقبل الإسلام السياسي، فإني أقول: إن مستقبل حركات الإٍسلام السياسي مرتبط بقدرة القائمين عليها على تجاوز (فقه دولة السلطان والخليفة)، وقد فصلت هذا في مقال سابق بعنوان (النهضة التونسية والإسلاميون الديمقراطيون).



[email protected]