عبدالله الجنيد

تاجر البندقية

الاثنين - 01 أغسطس 2016

Mon - 01 Aug 2016

علينا الاعتراف بأن بنيامين نتنياهو رجل يجيد إدارة المحاور الزمنية بما يخدم إسبارطية الدولة اليهودية، وذكي في إظهار التحالف الشرقي الرباعي ثلاثيا. فهو مهندس التقارب الروسي التركي بعد أن استنزفت «الأوبامية المهادنة» أوروبا لدرجة أنها باتت مهيأة سياسيا واجتماعيا لعودة اليمين القومي. فضعف أوروبا في هذه المرحلة مركب بفعل عناصر عدة ليس آخرها عدم الاستقرار الأمني.



نتنياهو يعتمد فلسفة الاستباق في كل سياساته، براغماتي فقط بقدر ما يخدم ذلك تحقيق اعتراف العالم بيهودية إسرائيل عرقيا ودينيا والتنصل تدريجيا من مواطنة عرب 48 لاحقا. فإسرائيل تدرك حجم التحول في المفهوم الأمريكي جيواستراتيجيا، لذلك تنشط هي في استثمار نجاحها في هندسة التقارب الروسي التركي بشكل أوسع شرق أوسطيا حتى وإن قاد لاستقلالية نسبية عن الرؤية الأمريكية. فإعلان التطبيع بين إسرائيل وتركيا في هذا التوقيت وبعد أشهر فقط من الإعلان عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب يعد ضربة له.



وحسب تقرير لجريدة الجوروزيلم بوست الإسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ 26 يوليو الماضي نقلا عن شهادة أدلى بها ياكوف ناقل، القائم بأعمال مجلس الأمن القومي (الإسرائيلي) أمام لجنة مراقبة الدولة في الكنيست، أكد أن هذا الاتفاق قد تم التوصل إليه قبل خمس سنوات من تاريخ الإعلان عنه باتفاق الطرفين. هذا النجاح قد يحفز الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر لدور إسرائيلي في الأزمة الأوكرانية حتى وإن تطلب ذلك تجاوز شخصية نتنياهو الجدلية. فالمصالحة التركية الروسية ستغير من معادلة القوى على الأرض في سوريا وإعلان النصرة فك الارتباط مع تنظيم القاعدة لن يكون آخرها، مما سوف يفرض حلولا غير مقبولة لأطراف كثيرة. وهذا ما أكده الوزير كيري شخصيا حول مبادرة الحل النهائي لسوريا المرتقب الإعلان عنها أوائل أغسطس الجاري.



يبقى أن ندرك أن نتنياهو ليس الصهيوني اليميني التقليدي، إنما صهيوني يطمح لإرث سياسي يضاهي المؤسسين ومتجاوزا حتى مؤسس الحزب ميناحيم بيغن. فالفوضى وعدم الاستقرار قدما أكبر خدمة له شخصيا. فقد تعطل ملف السلام كليا. كذلك منحته فرصة تحجيم اليسار الإسرائيلي وربما إلى الأبد بالإضافة لإدارة جوقة أحزاب اليمين الدينية بما يتناسب ومشروع يهودية الدولة، لدرجة أن إيهود باراك الحليف السابق في الائتلاف الحاكم وصف نتنياهو بـ»أنه يحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري Apartheid».



فخروج إسرائيل الرابح الأكبر من حالة عدم الاستقرار هو لاعتماد الجميع مبدأ استنزاف الخصم في حين بقيت هي خارج ذلك الاستنزاف. بل بلغ صلف نتنياهو أن تحدى سلطة الرئيس أوباما شخصيا بإلقاء خطاب في الكونجرس الأمريكي في مارس 2015. حالة عدم الاستقرار وتهديد الأمن الأوروبي قد يضعان العالم في حالة تقبل لما قد يقدمه تحالف الديمقتاتوريات* الرباعي (إيران وروسيا وإسرائيل وتركيا) من حلول لفرض الاستقرار في المنطقة، حتى وإن كانت تكلفة ذلك ضمان مصالح الرباعي في سوريا وحوض المتوسط. وهذا ما يحدث فعلا، ففي حين تتولى روسيا التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، تتولى إسرائيل التفاوض غير المباشر عبر الذراع الممثل لمصالحها في الولايات المتحدة مستفيدة من الانتخابات الرئاسية. لذلك نجد الوزير كيري يتعهد مرارا بإطلاع الجميع على الشكل النهائي إلا أنه يفشل في ذلك بسبب اعتراض بعض الأطراف على بعض تفاصيله حسب قوله. وهنا هو لا يقصد التحالف الرباعي بل السعودية تحديدا لرفضها المبدئي لأي صيغة لا تحقق استقرارا مستداما أو أي دور لبشار الأسد في أي معادلة سياسية مستقبلية.



نتنياهو سيخرج من هذا المولد برطل لحم من الجميع بعكس ما عجز عنه شايلوك في العمل الشكسبيري تاجر البندقية لأن الشرق الأوسط الآن عبارة عن أكبر لوحة سيريالية تستحيل قراءتها بعد كم هذا النزف.

*الديمقتاتورية /‏‏ الديمقتاتوريات: هو تعريف شخصي لحالة دول تخضع لدكتاتورية الشخص (أيديولوجيا أو ثيولوجيا) مع احتفاظها دستوريا بآليات الديمقراطية شكليا، وهي تزاوج بين كلمتي ديمقراطية وديكتاتورية.

[email protected]