محمد العوفي

تحديد ساعات العمل وأجرة الساعة أولى وأهم!

الخميس - 21 يوليو 2016

Thu - 21 Jul 2016

من الطبيعي جدا أن يقاوم السعوديون مقترح وزارة العمل حول إغلاق الأسواق الساعة التاسعة مساء، ومقاومة التغيير سلوك فطري لا يقتصر على السعوديين وحدهم، بل يتعلق بالذهنية الإنسانية، وعلاقتها بالتغيير فكرة ومضمونا، فالذهنية الإنسانية على مر العصور تألف ما اعتادت عليه، ولديها خوف من المجهول، والتجربة الجديدة، واحتمالات الفشل أو النجاح المرتبطة بها، يضاف إلى ذلك التكلفة الباهظة للتغيير في بعض الحالات.

وبالعودة إلى الماضي قليلا، تجد أن ذهنية التغيير لدى الإنسان السعودي ترتبط بأيديولوجيا دينية أو اجتماعية أو ثقافية، ولديها تشبث بالماضي، فتعليم المرأة، وتغيير الإجازة الأسبوعية، ودمج التعليم العام، وتأنيث الأسواق ما كان لها أن تتم لو ترك المجال مفتوحا لذهنية المواطن، فبعض التغييرات حدثت بإرادة عليا لصالح الأغلبية، وحظيت بقبول واسع من الأقلية المقاومة مستقبلا.

لذلك من الطبيعي أن يواجه مقترح وزارة العمل لتنظيم الأسواق رغم ما فيه من مزايا اقتصادية، واجتماعية، وأمنية، بذات الجدل والمعارضة، وأن ينقسم السعوديون حوله بين مؤيد ومعارض، ولكل فريق منهم مبرراته التي تدعم موقفه، وهي حتى إن كانت منطقية تظل أراء شعبية، وما يهمنا هو غاية وموقف وزارة العمل - الجهة الرسمية - التي تدفع بمقترح التغيير، فالوزارة ترى أن القرار يهدف لجعل بيئة العمل في الأسواق جاذبة لتوظيف الشباب السعودي من الجنسين، واحتواء بطالتهم، وإلحاقهم بالعمل في المولات وأسواق التجزئة.

وإذا كانت الوزارة تعتقد أن طول ساعات الدوام هو العائق الوحيد وراء عزوف كثير من السعوديين والسعوديات عن العمل في القطاع الخاص، وانسحابهم منه، فأعتقد أن لدى الوزارة خللا في تصور عيوب سوق العمل وتشريعاته.

فطول ساعات الدوام لن يكون مشكلة كبرى في حال ألزمت وزارة العمل القطاع الخاص بعدد ساعات العمل المتعارف عليها عالميا (ثماني ساعات يوميا)، بحيث لا تستطيع أي شركة أن تشغل الموظف أكثر من ثماني ساعات إلا برغبة من الموظف نفسه وبمقابل مالي.

وبالتالي فإن الشركات ملزمة بإيجاد آلية معينة لتقسيم الموظفين (نظام الورديات مثلا)، بحيث لا يبدأ عمل جميع الموظفين في الوقت نفسه، بل يتم تقسيمهم إلى مجموعات يبدأ عملهم في ساعات متفاوتة، فالبعض منهم يأتي مبكرا والبعض الآخر يأتي متأخرا بما يمكنها تغطية عملها بالموظفين وفقا لعدد الساعات المحددة لهم نظاما، وما زاد عن ذلك لمن يرغب في العمل أكثر من عدد الساعات المحددة نظاما تلزم الشركة بدفع تعويض مالي للموظف يعادل أجرة الساعة مضروبا بعدد ساعات العمل الإضافية.

والنقطة الثانية التي أغفلتها وزارة العمل في تشريعاتها السابقة تتمثل في عدم تحديد حد أدنى لأجرة ساعة العمل للموظف، وعمدت أو سعت لتحديد حد أدنى للأجور وبينهما فرق كبير، فالأولى تحفظ حقوق الموظف وظيفيا وماليا لأنه يعرف مسبقا ما سيتقاضاه مقابل ساعات العمل الإضافية، والثانية تمكن الشركة من استغلال الموظف، وإرغامه على العمل أكثر من عدد الساعات النظامية دون مقابل مادي أو تعويضه عنها بأقل مما يستحق.

وتحديد حد أدنى لأجرة ساعة العمل تشريع متعارف عليه في جميع الدول، وهذه الأجرة ليست ثابتة بل ترتفع بشكل شبه سنوي وفقا لمتغيرات المعيشة والتضخم، كما أن تحديد أجرة ساعة العمل يمكن المحلات من توظيف بعض الشباب الراغبين في العمل الجزئي «Part- time» كما هو معمول في جميع الأسواق العالمية.

خلاصة ما سبق أن طول ساعات العمل محصلة نهائية لقصور في تشريعات سوق العمل، كغياب تشريع يلزم الشركات بعدم تشغيل الموظف أكثر من ثماني ساعات يوميا إلا برغبة من الموظف وبمقابل مادي، وغياب تحديد أجرة لساعة عمل الموظف تضبط التعويض المادي الذي سيتقاضاه الموظف مقابل ساعات العمل الإضافية إذا رغب في ذلك.

وبالتالي، يمكن القول إن مقترح إغلاق الأسواق الساعة التاسعة مساء لن يجعل الشباب من الجنسين يتوافدون إلى وظائف الأسواق كما تتخيل وزارة العمل، ما لم تسع الوزارة إلى إصدار تشريع صريح يحمي حقوق الموظف المالية والوظيفية كتحديد أجرة ساعة عمل الموظف، وتحديد عدد ساعات عمل محددة يلزم القطاع الخاص بها سواء كان شركات أو مولات أو سوق تجزئة، ويتم تعويض الموظف عن الساعات الإضافية وفقا لأجرة الساعة.