سليمان الضحيان

جيل الشباب والتغير في واقعنا

الأربعاء - 20 يوليو 2016

Wed - 20 Jul 2016

في الأسبوع الماضي انتشر نبأ هروب فتاة سعودية في الـ17 من عمرها من تركيا حيث كانت مع أسرتها في رحلة سياحية إلى جمهورية جورجيا، وقد أخذت معها جوازات أفراد أسرتها، وليس مرادنا هنا الحديث عن الفتاة نفسها؛ إذ لا نعلم عن ظروفها شيئا، ولا نعرف اسمها أو اسم أسرتها، ولا نعرف شيئا عن الوسط الاجتماعي الذي عاشت فيه، وكل هذا لا يهمنا، وإنما حديثنا عنها هنا هو من باب إيراد مثال واقعي على واقع جيل الشباب اليوم.

فحادثة الفتاة تكشف عن تغير عميق في البنية الفكرية لجيل الشباب في نظرته للتقاليد والعادات وقيم المجتمع التي تربى عليها آباؤه، هذا التغير أنتج أزمة عميقة في عقل الجيل الشاب نتيجة عجزه عن التوفيق بين القيم والعادات والتقاليد التي يتلقاها في البيت والمدرسة والمسجد، ويعايشها في مجتمعه وبين ما يقرؤه ويشاهده في وسائل الاتصال الحديثة التي كسرت حواجز المكان، وجلبت معها قيما وتقاليد وممارسات تختلف جذريا عما تربى عليه؛ إذ إن وسائل الاتصال الحديثة جعلت عقول الشباب مشرعة لتلقي كل ما يطرحه العالم من أفكار وقيم وفنون ومبادئ دون أن يكون لديهم المقدرة على الفرز بين الجيد والرديء منها.

وأصبح عقل الجيل الشاب رهينا لتلك الوسائل، فأثرها عليه يفوق أثر ما عداها من أسرة ومدرسة ومسجد، والغالبية من جيل الآباء يستعمل وسائل المنع والتخويف والتحذير والعقاب في معاملة جيل الأبناء؛ فهي الطريقة الوحيدة التي يعرفونها وتربوا عليها، وكانت ناجحة في زمنهم لمحدودية وسائل التأثير.

ونتيجة لهذا التصرف من الآباء إما أن يعلن الشاب تمرده ويدخل في خصام نكد مع عائلته، وإما أن يتكيف ظاهريا مع متطلبات تربية الآباء، ويخلق له عالما مفترضا واسعا يتواصل معه عن طريق النت ينسجم مع قناعاته التي استمدها من وسائل الاتصال الحديثة، ثم إذا وصل لمرحلة عدم المقدرة على تحمل العيش في ظل عالمين متناقضين أعلن تمرده، وهذا يكثر في عالم الفتيات خاصة.

لست تربويا لأطرح الحل الناجع لمثل هذا، لكني أردت أن أبين أن واقعنا يتغير، وسيظل يتغير شئنا أم أبينا، وهذا التغير يقابله - بالإضافة إلى طريقة التربية الأسرية التي ذكرتها آنفا - فقر مدقع في المرافق والأنشطة المناسبة في مجتمعنا لجيل الشباب سواء كانوا ذكورا أم إناثا، ويرافقه - أيضا - جمود كبير في الخطابات الدينية والفكرية والتربوية الموجهة إلى جيل الشباب.

وثمة تبرم واسع جدا من هذا الجمود يظهر في مواقع التواصل، ويتحول أحيانا هذا التبرم من بعض الشباب إلى ما يشبه النقمة على كل ما هو ديني من خلال كتابات تنحو منحى الإلحاد، وهي كتابات ليست نابعة عن قلق وجودي معرفي فيقال عنها: إنها كتبت عن قناعة فكرية بعد بحث واستقصاء، بل هي أقرب للاحتجاج على الواقع، والتعبير عن رفض الواقع وإعلان التمرد عليه.

وهذا التغير الذي حصل ويحصل وسيظل يحصل في واقع جيل الشباب اليوم يستلزم من المهتمين بالتربية والتوجيه الفكري والديني والأسري إدراكه، والعمل على ابتكار الوسائل والحلول للتكيف مع التغير ومسايرته بما يضمن محافظة المجتمع على قيمه الكبرى، وإن لم يفعلوا فسيجرف التغير كل شيء، فمنطق العصر سيفرض نفسه حتما.

[email protected]