شاهر النهاري

الجينوم أصدق أنباء من الشجر

السبت - 18 يونيو 2016

Sat - 18 Jun 2016

أثبتت البحوث العلمية الحديثة أن الجينوم يحتوي تفاصيل المعلومات الوراثية للإنسان (Homo sapins)، مما يمكن رصدها في تسلسل الحمض الريبي النووي، كوحدات ثابتة لرسم الخريطة الجينية للإنسان، بغرض التفريق بين فرد وفرد، دون كذب، أو تغاض، وبالدليل والبرهان، الموثق.

شجعان كثيرون خضعوا لمثل هذا الاختبار، يحركهم الفضول، وكانت الدهشة تطويهم بالنتائج، وكم سارع بعضهم لإنكار الحقيقة، والتشكيك في النتائج.

مجرد وجود اختلاط عرقي واحد في أي نقطة من سلسلة الوراثة المتصلة منذ آلاف السنين قد يجعل نسب الشخص يتجه إلى قومية بعيدة كل البعد عن المتوقع، وحسب تأكيد الجينات المهيمنة الطاغية.

وقد أصبح هذا النوع من الاختبارات سهلا ميسرا، فبمجرد دفع مبلغ مئة دولار أمريكي للمختبر العالمي، يتم تزويدك بعلبة طبية مغلقة، ويطلب منك أن تفرك المسحة المرفقة داخل تجويف الفم، لجمع بعض الخلايا المتناثرة باللعاب، ومن ثم إعادة العينة للمختبر، والذي يتكفل بإرسال النتيجة المفصلة إليك، فإما أن تفاخر بها بين شعوب الأرض، أو أن تقوم بتقطيعها، وحرقها، وإنكار تصديقك بالجينوم.

أقول هذا بعد أن شاهدت خطبة عصماء للشيخ الحبيب علي الجفري، كان يلقيها في مسجد السيد علي الميرغني في السودان الشقيق، وكان بمنتهى الفخار والحماسة يفصل تسلسل نسبه أبا عن جد حتى يصل إلى سيدنا علي بن أبي طالب، ثم إلى ابن عمه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام!

وأنا لن أنكر على الشيخ الجفري احتمالية أن يكون ذلك النسب حقيقيا؛ رغم حساسية شديدة وهرش في قمة رأسي تتعودني كلما سمعت مثل هذه الأقوال، وكلما رأيت أشجار أنساب الأسر المتفاخرة تتوسط الكتب والمجالس، والكل يدعي من عمق جذورها وتفرعاتها صفاء النسب، وخالص الشرف، والنقاء، وأنه رغم تعاقب قرون الزمن ما يزال يحتفظ بخريطته الجينية نقية صافية، متميزا عن الآخرين، الذين لا يدركون تسلسل أنسابهم!

الشجاعة والمصداقية هنا أصبحتا تحديا لكل من يدعي صفاء وشرف النسب، واتصاله بعرق أو جهة تزيد في المكانة والتكريم، بأن يتقدم علانية لإجراء هذا التحليل، وأن يقدم نتيجته بيده للجميع شهادة على نقاء نسبه وشرفه.

كثيرون كانوا يدعون أنهم من العرق الآري الأبيض الأصفر الشعر الأزرق العينين، ثم يجدون في جيناتهم نسبة عظمى من الحبشة أو من كينيا!

كثيرون يدعون بأنهم عرب أقحاح، ووجدوا في خرائطهم الجينية عرقا صينيا أو أوروبيا أو مكسيكيا أو برازيليا مسيطرا.

مجرد وجود جارية أو سبية في علاقة شرعية أو غير شرعية، ولو قبل ألف سنة قادر على أن يجعل الشجرة منعكسة الفروع مختلفة البراعم والأوراق.

كلنا من آدم، وأبناء آدم وبناته تزاوجوا فيما بينهم، ثم ارتحلت كل مجموعة منهم إلى زاوية من الأرض، ليكتسبوا من بيئتهم بعض الصفات الجينية المختلفة، والتي تخص مناطق عيشهم، وكوننا اليوم مختلفين في الشكل، لا يعني أننا لا نتصل ونتبادل الجينات، ولا شك أن المبالغة في رسم الأشجار وتضخيمها ليست كل الحقيقة المرة.

الحقيقة تظل مرهونة بنتائج المسحة، وحتى لا يدعي أحدنا بأنه أشرف أو أنقى ممن حوله، والشجاع يجب أن يبرز جذور شجرته ضد نتيجة العينة.