عبدالعزيز الخضر

وشلون علماني؟

السبت - 11 يونيو 2016

Sat - 11 Jun 2016

«وشلون علماني؟! / فيه علماني له شنب.. ما فيه..! / فيه علماني عنده سيارة هايلوكس.. ما فيه! / فيه علماني عنده غنم... أنا شمري ما نيب علماني.. العلماني ما يجي اسمه فريح نهائيا مستحيل». أبوبدر الشمري أحد الوجوه السنابية الساخرة قدم في أحد سناباته مواصفات طريفة للعلماني، وصورة فنية ذكية، وشكله الذي لا بد أن يكون بدون شنب، وهو يرد على اتهامه بأنه علماني من أحد متابعيه، لأنه نشر صورة كاريكاتير أعجبه. استطاع بوصف وصوت تمثيلي ساخر، استنطاق شيء من اللاوعي في المخيلة الشعبية حول مثل هذا المصطلح المتداول كتهمة في بعض الصراعات حول قضايا محددة.

لكن من أين جاءت هذه الفكرة الساخرة، بحيث لا يمكن تصور العلماني بهذا الشكل بسيارة متواضعة، ومشغول بأغنامه، وكأنه لا يمكن الجمع بينهما! تهمة علماني والتحذير من العلمانيين تسرب إلى وعي مجتمعنا بصورة واسعة عبر الخطاب الديني مع العصر الذهبي لمرحلة الكاسيت، وانتشاره الكبير وأصبح حينها المصدر شبه الوحيد لتثقيف طبقات متنوعة في المجتمع حول كثير من المفاهيم المعاصرة، وهذا المصطلح يأتي عادة في سياق التحذير من العلمانيين ومؤامراتهم، وكأنهم يخترقون الجهات الإدارية العليا في الدولة، ويؤثرون على القرارات، ولهذا يكونون عادة أصحاب مناصب عليا، ومن الطبقة المخملية، وتبدو صورة الراحل غازي القصيبي حاضرة عندما حدث صراع شخصي مع بعض رموز جماهيرية في خطاب الصحوة في تلك المرحلة، ليتجسد شكل وصورة العلماني في مخيلة البعض، بما فيها موضوع شكل اللحية والشنب!

مخلفات هذه الرؤية المبكرة في التصور التحذيري عند الخطاب الديني، استمرت أيضا مع مرحلة الانترنت ومواقع التواصل، حيث المؤامرات الفوقية في صناعة القرار حول قضايا إشكالية معلقة بخصوص المرأة والتعليم، ولأن الصحافة في الماضي كانت محاصرة لا تتكلم حول هذه القضايا فإنه لم يكن لها حضور كاليوم، حيث يتم استحضارها في المخيلة كجزء من مؤامرات التأثير على القرارات، وأنه بسبب هجوم الصحافة بتوجهاتها التغريبية على كذا يحدث كذا ويصدر القرار، وليس العكس! ويختلف هذا الوعي الشعبي عن المفهوم القديم لـ «الزقرتي» الذي يتشابه في بعض الصفات في أسلوب الحياة، لكن عندما يتحول إلى داعية وناشط ويطالب بأشياء ضد الرؤية المحافظة يتوشح بمسمى وتهمة علماني وليبرالي، تطلقه عليه فئة دينية ناشطة متخصصة بهذا المجال، لكن هذا المصطلح أصبح اليوم عند البعض جزءا من البريستيج الثقافي المطلوب كداعية تنوير، ويشجعهم على ممارسة التحرش واستفزاز هذه الفئة بتويتر وغيره، لعل وعسى يخرج المحتسبون اسمه بقوائم التهم عبر تغريدة أو مقطع لتصبح وثيقة وشهادة له على نضاله التاريخي في المجتمع، وكيف أنه تعرض للاضطهاد وما هي التضحيات التي قدمها، ومتى سيكتب سيرته الذاتية!

بتأثير من هذا المقطع السنابي لفريح الشمري قام بعد أيام برنامج «في أسبوع» على إم .بي سي باستطلاع طريف في الشارع حول بعض المصطلحات حول وسؤال عن ما هي: العلمانية والليبرالية والديمقراطية، وكانت الكثير من الإجابات كما هو متوقع لمن يعرف صعوبة اختزال مثل هذه المفاهيم بعدة كلمات في الشارع حتى عند المهتمين والمتخصصين.

كانت بعض الإجابات طريفة جدا، في صناعة الابتسامة لدى المشاهد، وكثير من البرامج المصرية تستعمل هذه الطريقة في الشارع المصري لصنع الابتسامة، فتخرج إجابات عفوية مشابهة. لكن هذا المقطع عندما وضع بتويتر، بدلا من أن يؤخذ في إطار الدعابة.. تعامل معه البعض بجدية وإصدار أحكام، وكأنه اختبار قدرات لوعي مجتمعنا، وفرصة للاستهزاء بالمجتمع ووعيه، وكـأنه لا يناسبه أي تطوير وإصلاح. للمثقف أن يقدم رأيه حول قضايا الإصلاح وما يناسب وما لا يناسب لكل مرحلة دون أن يمارس هذه الفوقية وتجهيل المجتمع.

والغريب هو هذا التظاهر بالدهشة، والتحسر من هذا الوعي وكأنه مصدوم، وهو يعرف جيدا أن هذه المفاهيم ليست موجودة بالتعليم العام، وليس هناك حرص رسمي على التعريف بها وتطوراتها التاريخية، وليست حاضرة في دروس الثقافة والأدب والتاريخ. ومع أنه من الصعب معرفيا أن يتصور كثير من العامة مثل هذه المفاهيم، التي تكون بحاجة لتأسيس ثقافي قوي حول كثير من الإشكاليات الدينية والسياسية ومفهوم الدولة المعاصر، ولهذا حتى الذين يحذرون منها من الوعاظ والخطباء، ليس بالضرورة لديهم استيعاب ناضج حولها، وإنما يضعونها كمقابل للإسلام وانحراف عنه، وحتى هذا الشارع الذي تربى تعليميا على الخطاب السلفي، لو سئل عن ماذا يعني معتزلة وأشاعرة وجهمية وغيرها من صراعات تاريخنا فلن يستطيع الإجابة عنها!

[email protected]