الحب كلمة ليس لها مكان في السياسة

الثلاثاء - 01 مارس 2016

Tue - 01 Mar 2016

إن من يحققون في أسباب الاختلاف بين الدول دائما ما يعزون هذا الاختلاف إلى الأفكار والأعمال الراديكالية، وإن مثل هذا الحكم يعتبر صحيحا جدا.

إن الراديكاليين من العنصريين والفلاسفة والملحدين والشيوعيين وراديكاليين آخرين، يمثل كل منهم أيديولوجية منفصلة عن أيديولوجية الآخر، وإنهم جميعا ينتمون إلى مجموعات متسامحة مع الطرف الآخر. إن أهم أسباب الفشل في التغلب على مثل هذه الراديكالية يكمن في أن الخطاب السياسي يحتوي على غضب ونفاق لا ينسجمان مع الطبيعة الإنسانية.

تسيطر على السياسة روح مؤذية، فالسياسيون قادرون على مخاطبة بعضهم بعضا بطريقة غير ملائمة تماما، وأما بالنسبة للسياسة المحلية فإن القادة المحليين غير قادرين على التوصل إلى تسوية أو حل وسط فيما بينهم، بل على العكس من ذلك فإنك تجدهم قادرين على الدخول بسهولة في أجواء غير مستقرة لا تمكنهم من إدارة حاضر ومستقبل بلادهم.

تعد السياسة الخارجية إحدى الساحات التي تعبر فيها تلك اللغة الحادة وغير الحميمية عن نفسها إلى درجة أنها تدخل في منعطفات مخيفة. ليس هناك دولة قادرة على تجرع أخطاء دولة أخرى. وربما يؤدي خطأ كهذا أو أي تجاهل كان إلى تحذيرات من قبل الجانب الآخر في حدود «انتبه»!ّ، فنحن نمتلك القوات البرية والجوية ونمتلك أسطولا بحريا.

أما الدول التي يجمع بينها تحالف ما، فإنه ليس من السهولة لها بمكان أن تطلق تهديدات لبعضها بعضا في ظل تأثير قوتها وأهميتها الاستراتيجية، إلا أن تكون دولة ما حليفة، فهذا لا يعني أن الحب يسود بين الدول المتحالفة. ويصف السفير السابق والسياسي التركي الحالي أنورمين هذا النفاق بالكلمات التالية:

على سبيل المثال لا الحصر، إن قيل في أعقاب مفاوضات ما «كانت المناقشات مفتوحة جدا وصادقة»، فهذا يعني أن الأطراف المتفاوضة كانت على خلاف شديد في الرأي.. «سوف نتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب»، وهذا يعني أن حل المشكلة سوف يأخذ وقتا طويلا، وربما لن تحل أبدا».. «لقد استمعت باهتمام إلى ما ترغب في قوله»، وهذا يعني أنني لا أتفق معك، وإن قيل مثلا: «اهتممت جدا بآرائك»، فذاك يعني أنني لم أستمع إلى هرائك»، «سوف أسمع آراءك باهتمام بالغ» وهذه تعد أسلوبا مؤدبا للقول «نحن لا نتفق تماما»، وإن قيل «إنه من مصلحتكم قبول آرائنا بدلا من إصراركم على آرائكم»، وهذا يعني أحيانا «إننا سنضر بمصالحكم إن لم تفعلوا ما نقول».

إن القادة الذين يصافحون بعضهم بعضا أمام الكاميرات يفهمون جيدا رسائل التهديد التي يرسلها الطرف الآخر. ففي ظل هذه الأجواء من النفاق السياسي، يستمر الصراع ولا يثق أحد بأحد.

إن العالم ما زال يتعامل بهذا المنطق، ولذلك فإن وجود الراديكالية في السياسة أيضا يسرع في انهيار الدبلوماسية، لأن الافتقاد للحب والإخلاص والذي بدأ يسيطر على هذا العالم أمر لا ينسجم مع طبيعة الإبداع الإنساني.

إن العالم بحاجة إلى روح أخرى، فالبشر والعالم كلاهما مخلوقان للحب. ولذا فإنه ولطالما نسي الناس هذا الحب، سوف تبقى الروح والجسد في ثورة دائمة. يجب أن تكون السياسة رهن الحب، يجب أن تؤسس على الحب. ولا بد أن تخدم السياسة الحب، ولا بد أن تبقى أداة لاكتساب الحب.

في الحقيقة إن الحب مقبول لكل شخص وفي أي شيء. بالحب يكون لدى الشخص رغبة طيبة لتقديم تضحيات. فالمصلحة الذاتية والأنانية والمنفعة ليس لها مكان في الحب. وفي وجود الحب لا يمكن أن يكون هناك كارهون منافقون يختبئون وراء الابتسامات. فالحب قوة هائلة في حد ذاته.

بالحب يكون بالإمكان الاستقرار والسياسة والاقتصاد، فالحب هو أساس الأديان وهو الرد الأمثل على أولئك الذين يصفون الوحشية والكره بالعقدية. ولا بد ألا ننسى أنه ليس من حقنا القول «ما الذي يمكن أن تحققه جهودي البسيطة المتواضعة»؟ الحب كان وما زال قوة، وإنه سيسود حتى لو كان أنصاره أقلية.