عمار المدينة

الجمعة - 22 يناير 2016

Fri - 22 Jan 2016

أعادت زيارتي للمدينة البارحة في استضافة من البرنامج الثقافي (يلا ندردش) المنبثق من مبادرة ترجم أفكارك التابع لجامعة طيبة، ذكريات كتابة مقال (طريق مكة جدة)، وأعادت إيقاظ الدوافع التي دفعتني لكتابته، وأنا أستشعر تلك المفارقة القوية ما بين تلك الوجوه المفعمة بالطموح، والعقول الجائعة لتحقيق أفكارها، وما بين العقلية السائدة والنظرة النمطية المقللة لشأن المكان وظروفه ودمغه بالانغلاق ومحدودية الفرص. بدأ الجزء الأول من التجربة حال استقبالي في المدينة ومن ثم ترتيب أمور إقامتي وتنقلاتي والذي اتسم بالتنظيم والحفاوة، بداية من دقة المواعيد، وانتهاء بذلك الطبق الجميل من النعناع العطر وعجوة المدينة الفاخرة الذي استقبلني حال دخولي مرفقا ببطاقة ترحيب من منظمات البرنامج. وحين اجتماعي بمسؤولي البرنامج انبهرت حقيقة من جودة المحتوى التي تواكب العصر وتتطلع لاستباقية التفكير، وبتخطيطه وأهدافه التي تسعى لتوسيع أفق الشباب وإثرائهم فكريا من خلال استخدام أحدث وسائل التواصل والجذب. أما الأمسية في حد ذاتها فقد كانت عبارة عن واحة فيحاء من العقول الجميلة والأرواح التواقة للتطور والمعرفة، حيث كان التفاعل مبهرا وكانت النقاشات مثرية ومفعمة بالحماس. ورغم أنني استضفت قبل هذه المرة في أماكن أخرى إلا أن درجة الإحسان في التنظم والإعداد أبهرتني وأشعرتني بمزيد من الحماس والمسؤولية لإعطاء هؤلاء المحسنين أفضل ما عندي. استمر الجزء الثاني من ذلك المساء بزيارة لمعمل الإبداع الحرفي في مشروع نماء المنورة. ورغم أنني سمعت قبلا عنه إلا أنني انبهرت من حجم المشروع وإمكاناته وتجهيزاته بداية من الموقع والمباني والصبغة التراثية الممتزجة بالطراز العصري للتصميم، مرورا بالتجهيزات والمرافق وبعض ما تم إنجازه على أرض الواقع، وانتهاء بالاطلاع على الرؤية والفكر والأهداف التي تسعى لاستثمار ما حباه الله للمدينة من شرف المكانة والقداسة في إثراء المكان اجتماعيا واقتصاديا. نعم كانت رحلة من الانبهار والمفاجآت، رأيت فيها المدينة كما لم أرها قبلا. نعم خرجت عن نطاق الحرم ورأيت المدنية والأنفس والعقول والطموحات. نعم رأيت تلك القلة التي لم تتمسك فقط بالبقاء، بل وجاهدت وحفرت في الصخر للتطوير وترسيخ شرف المكان، رأيت صناعا نابغين للفكر، وعمالا مجاهدين لتطبيقه، واستشعرت الحب والولاء والشغف للإعمار. نعم رأيت عقولا نيرة آثرت البقاء رغم أن دروب العالم مفتوحة أمامها، متقلدة الجهاد لتطوير المكان لها وللآخرين. فلله دركم أيها الأبطال، لله دركم أيها الشرفاء، لله دركم يا عُمار مدينة رسول الله.

[email protected]