عبدالله المزهر

! error

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 21 مايو 2018

Mon - 21 May 2018

كنت مقتنعا قناعة لا يخالطها شك بأن في كل منزل مصري بارا مليئا بأصناف الخمور، وأن صاحب المنزل لا بد أن يقدم كأسا من الويسكي للضيوف حين يدخلون إلى منزله، وهذه القناعة لم تتولد لدي لأني استيقظت صباح أحد الأيام ولم أجد ما أفعله فقررت أن أتبنى هذه النظرة تجاه 60 مليون مصري ـ تعداد سكان مصر حين كنت مقتنعا بأنهم أمة ثملة ـ لكني آمنت بها يقينا من خلال متابعتي للدراما المصرية، وقد كان يستحيل تقريبا ألا يكون لدى بطل الفيلم بار صغير في منزله مهما كان حجمه، يعود إليه ليشرب منه أكثر مما كنت أشربه من الماء.

في مرحلة لاحقة تخليت عن الاهتمام بحياة المصريين البائسة التي يسكرون فيها أكثر مما يتكلمون، وقررت أن أنتقل لحسد الكويتيين الذين يسكنون جميعا في قصور، غنيهم وفقيرهم، صالحهم وطالحهم. كلهم يسكنون في منازل لم أكن في مرحلة من حياتي أتوقع أنها موجودة في الحياة الدنيا، وأنه لا ينالها إلا المتقون الأبرار في جنات النعيم.

وكنت أتخيل الكويتيين مجموعة من الناس الأغنياء نصفهم يمتلك شركات والنصف الآخر يريد أن «يبوقها» من النصف الأول. ومجموعة من النساء اللواتي يعانين من التهابات وانتفاخات في الوجه والشفاه وأماكن أخرى من الجسد.

وهذه القناعة أيضا لم يكن سببها أني كنت أشعر بكثير من الفراغ ولم أجد ما أفعله سوى «التبلي» على الكويتيين والافتراء على طريقة حياتهم. لكن هذا ما فهمته من الأعمال الدرامية الكويتية. وبسبب هذه الأعمال «الفنية» أصبحت الصورة الذهنية للكويت والكويتيين لدى من لا يعرفهم لا تخرج عن إطار الشركات والقصور والنفخ.

في مرحلة لاحقة من حياتي اكتشفت أنه ليس من عادات المصريين أن يسكروا في منازلهم ويقدموا الويسكي للضيوف، ثم عرفت لاحقا ـ وهذا ما صدمني حقا ـ أن الكويتيين مثلنا، وأن بعضهم يسكن في بيوت لا تصلح لسكنى البشر، وأن فيهم فقراء وعاديين لا يسكنون القصور الفارهة.

فكرة أن «الفن» مرآة المجتمع فكرة مثالية بعض الشيء، وتبدو الشواهد في كل مكان عكس هذه الفكرة الحالمة، قد يوجد عمل أو أعمال تحاكي أو تلامس هموم الناس لكنها ليست القاعدة. ولذلك فإن الخطوة الأولى للتصالح مع الأعمال الدرامية هي أن يكف منتجوها والمتربحون من ورائها عن القول بأنهم مرآة المجتمع، أو أنهم يلامسون همومه ومشاكله الحقيقية. نحن نعلم وهم يعلمون أننا نعم أن «المال» هو الهم الأول خلف «جل» الأعمال التلفزيونية والسينمائية. وقد يكون ملائما أن نكف عن الكذب على بعضنا البعض لكي نتقبل بعضنا بشكل أفضل.

وعلى أي حال..

حاولت أن أتخيل الصورة المرسومة في مخيلة «غير السعودي» عن السعودية إن كان يرسمها من خلال أعمالها التلفزيونية كما كنت أفعل مع الآخرين. والحقيقة أني فشلت في تخيل أي شيء. أسمع في رأسي أصواتا مثل تلك الأصوات التي يصدرها الكمبيوتر حين تتزاحم عليه الـ errors.