اليتم يصنع المعجزة

الجمعة - 18 مايو 2018

Fri - 18 May 2018

الأمر الطبيعي أن ينشأ الطفل في بيئة طبيعية من وجود والدين يدللانه ويعتنيان به، وأن تلبى له احتياجاته، كما هي موضحة في «هرم ماسلو»، ولكن غير الطبيعي أن ينشأ الطفل في ظروف اليتم القاسية، وهذه الظروف التي يحاول التخلص منها قد تكون هي الفارق العجيب في حياته.

يعد اليتم الظاهرة الأكثر تأثيرا في شخصية الطفل، إذ إن هناك مطاعيم نفسية، بحسب باحثين، يحتاج إليها اليتيم في مسيرة حياته، وهي «الإشباع النفسي، الأمن، الأمل، تطور الانفعالات السارة، الشعور بالحماية، القدرة، التفاؤل بالمجهول، معتقدات إيجابية عن الذات، الانتماء إلى مجموعة وتبني أهدافها». ولكن هناك أيتام لم تتوفر لهم هذه المطاعيم وكانت حياتهم وإنجازاتهم عبرة، فقد غيروا مفهوم «فاقد الشيء لا يعطيه»، اليتم لم يجعل قلوبهم قاسية رغم أنهم لم يذوقوا حنان الأبوين أو أحدهما، الفقر لم يجعلهم أقل عطاء لأنهم حرموا من أن يعطى لهم، بل تجدهم أكثر حنانا وعطاء. أول شخصية عظيمة يحتذى بها، خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي عاش يتيما، ليكون الشخصية الأولى في العالم. وهذا أبوهريرة يخبر عن نفسه «نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لابنة غزوان، أحدو بهم إذا ركبوا، وأحتطب إذا نزلوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما». طارق بن زياد قتل والده وهو صغير، واختاره موسى بن نصير ليكون قائدا، ففتح المغرب وأكمل إلى الأندلس. حافظ إبراهيم توفي والده وهو في الثالثة من عمره ليتخذ من الشعر رفيقا. ستيف جوبز عاش يتيما وحرم من اللعب طفلا، ليغير خارطة العالم الالكتروني، لا تكفي الصفحات للأيتام الذين غيروا مجرى التاريخ.

ومن منظور واقعي الذي يحتويني منذ طفولتي إلى الآن، أبي الذي عاش اليتم بكل طقوسه وتفاصيله، توفي والده وتزوجت والدته، وهو في الخامسة من عمره، هذا السن الذي أكد العلماء أنه كيفما كانت طفولته والمثيرات التي يتعرض لها فيه، تكون سمات شخصيته، وجد نفسه وحيدا محروما من حنان الأبوين، فشق طريق الحياة متجاوزا المحن، وفتح بكل عزيمة وإصرار الأبواب المقفلة ليكون نموذجا حيا في العطاء، والوفاء، والطموح، والتسامح، والحب والتواضع.

أقل ما نستطيع تقديمه للأيتام بعد مد يد العون لهم هو إلهامهم ودعمهم وتشجيعهم بالإيمان القوي الذي بداخلهم، ليصنعوا الفارق العجيب في حياتهم، ولكيلا يستسلموا. ومع الإنجاز سينسون مرارة اليتم واحتياج الحنان، ليكونوا في المستقبل القادة المؤثرين الناجحين والمنتجين.