أفق جديد

الجمعة - 18 مايو 2018

Fri - 18 May 2018

في الوقت الذي توشك فيه أن تنطفئ روح الإنسان العربي وتضعف بسبب قسوة الواقع، فإن الأحداث والمشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية للشباب العزل في شرق غزة وهم يعبرون عن غضبهم وإدانتهم لنقل السفارة، بقيت حاضرة وبقوة وتبعث الأمل من جديد للإنسان العربي.

وما مراسم الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا وسيلة ونموذج جديد لكسر الشخصية العربية بعد أن بدأ يلوح في الأفق الترويج لنموذج عربي جديد، بدأ يمتلك مساحة كبيرة ليعبر عن نفسه كما يشاء! أراد له (الآخرون) أن يكون نموذجا لقواعد اللعبة الجديدة، وأنه البديل العصري لذلك الإنسان العنيف والهمجي الذي تمت زراعته في مناطق متعددة، بعد منحه مساحة هائلة من أرضنا العربية ومن ثم تزويده بوسائل الحرب والدمار، بعلمه أو من دون ذلك، ليوغل في القتل والدمار، ويقضي على الكثير من قيمنا العربية والإسلامية.

عند العودة لتلك الاحتجاجات والاعتصامات يظهر ذلك المشهد المهيب للشاب الفلسطيني المصاب والذي تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوره، والذي كان قد نجا من محاولة استهداف سابقة، وهو على كرسيه المتحرك هذه المرة، ترجل عن كرسيه وبدأ بالزحف على ما تبقى من جسده بهمة عالية وإرادة وتحد قل نظيرهما، حتى وصل السياج المطل على القدس وحين شعر أنه أصبح على حافة الموت، أخرج (المقلاع) وبدأ يرجم بالحجارة الجنود المحتلين حتى سقط شهيدا.

قدم هذا الشاب ورفاقه الـ 55 الذين ارتفعوا إلى السماء في ذلك اليوم معادلة جديدة، وهي أن إرادة الإنسان وعزيمته وإيمانه بعدالة قضيته قادرة على أن تواجه الجيوش المددجة بأعتى أنواع الأسلحة. لقد تصدرت بطولة هؤلاء الشبان ووحشية قوات الاحتلال المشهد العالمي. وتوالت الاحتجاجات والتنديدات بهمجية هذا الكيان المغتصب بدلا من رسائل التهاني والتبريكات بنقل السفارة.

لقد تغير عالمنا العربي في العقد الأخير بسرعة هائلة، سقطت أنظمة ورؤساء ثم سقطت عواصم عربية بمعاول هدم تختلف من عاصمة لأخرى، حتى لو كانت الأيدي خارجية «فارسية» كانت أم غربية.

في هذا المناخ، حل القتل والدمار وأصبح الإنسان العربي يعيش حالة التيه الأكبر، فالمكونات الفكرية التي طالما تشبث بها (وتورط) في الحفاظ عليها والتي تشكل هويته وجزءا أصيلا من موروثه أصبحت مثار شك، بل أصبحت سيفا مسلطا على رقبته.

إن الطريقة التي تم الإعلان بها عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وما تلاها من أحداث في الخمسة أشهر الماضية حتى موعد الاحتفال بالافتتاح الرسمي للسفارة الأسبوع الماضي، لهو محاولة لتشكيل حقيقة ما يراد اعتباره الإنسان العربي الجديد الذي لا ماضي له يعتد به، ولا حتى مستقبل يمكن صناعته!

هكذا ظلت الأمور وهكذا اعتقد الناس، حتى اندلعت الاحتجاجات وأعلن الفتية مسيرة العودة وخرجوا بصدور عارية ليقولوا للمحتل وللعالم أجمع إن نقل السفارة هو أمر لا يمكن القبول به، كما أنه لن يفرض علينا بالقوة، هو لن يثبت ولن يدوم.

temyatt@