عبدالحليم البراك

ثنائيات ساخرة!

الاثنين - 14 مايو 2018

Mon - 14 May 2018

في حياتنا ثنائيات متناقضة، لا نشعر بها إلا مع التأمل والتدقيق، هذه الثنائيات قد تجعلنا نعيد التفكير كثيرا فيما نراه أو نصدقه أو نؤمن به، أو حتى ما نقبله على أقل تقدير، وهذه بعض الثنائيات التي نعرفها ونتعايش فيها ومع هذا قد لا تكون لفتت انتباه بعضنا!

- الساحر، هو رجل يقصده الناس من أجل حاجة، ولكن هذا الرجل دائما رجل فقير ووحيد، ومع هذا يعد الناس بالرزق والجمع بين الناس، وهذه ثنائية التناقض، ومع هذا هناك من يقبل عليه أو يؤمن به!

- قبل الأقمار الصناعية وقراءة الخرائط الجوية، كان التنبؤ بالطقس ضربا من ادعاءات الغيب، ويكاد يكون جريرة يقترفها الإنسان، أما الآن تحول نصف كتاب تويتر إلى متنبئين في الطقس ومحللي أجواء، بفضل تلك الخرائط التي صارت بمتناول أصابع اليد على هاتف ذكي، وهذه ثنائية الجهل والعلم!

- الجميع يشتم من يقوم بقطع الإشارة وهي حمراء، مع أن ذلك يحدث من قبل شخص أو اثنين في الإشارة الواحدة، أو قد لا يحدث طوال شهر كامل وأنت تقود سيارتك، بينما لا أحد يشكر من يلتزم بالنظام فيقف والإشارة حمراء ويمشي بأدب والتزام والإشارة خضراء وهم عشرات، ويحدث ذلك في اليوم عشرات بل مئات المرات، وهذه ثنائية لفت الانتباه مع آخر لا يلفت الانتباه إطلاقا!

- الماشي على الرصيف يرى له الحق وهو يمشي في الشارع، وعلى السيارة أن تحترم الإنسان، فيمشي يتمطى سواء على خط المشاة أو في وسط الشارع، ويرى أن الأولوية للإنسان وليس للآلة أو السيارة أو أي شيء آخر، بل الإنسان أولا، وهذا الشخص نفسه عندما يكون سائقا للسيارة يرى أن الحق له، فيمشي مسرعا سواء على خطوط المشاة أو في وسط الشارع، ويرى أن على الماشي أن يلاحظ السيارة ولا يعرض نفسه للخطر، وأن الأولوية للقوة والسيارة قبل الإنسان. ثنائية ادعاء الحقوق المزدوجة!

- الإنسان عندما يحب شخصا،

فإنه يقبله، ويقبل منه الخطأ والصواب، بل يتحول خطؤه إلى صواب، بل إن كان خطأ محضا فإنه يخلق له أعذارا في ظنه أنها مقبولة ومبررة لقبول الخطأ، وإن كره الإنسان شخصا فإن حسناته التي يقدمها تصبح مساوئ لا يمكن لأي توضيح أن يفهمها، وأما سيئاته فلا اعتذار يمكن أن يمحوها فضلا عن أن يقبله أصلا، وهذه ثنائية العدل والظلم اليومية!

- ثنائية الأمومة وقسوة المرأة، هي حكاية أخرى، فلا أعطف ولا ألطف من الأم، ولا أرق منها قلبا على أبنائها حبا وقربا، بل تتمنى الشر لها على ألا يصيب أبناءها، وهي نفسها المرأة (ليست كل النساء طبعا) قد تكون قاسية عنيفة، غريبة في قسوتها وعنفها، كيف بدلت ذلك القلب الرقيق بقلب لا يرحم؟ وهذه ثنائية ساخرة سوداء.

أخيرا، الحياة وطن المتناقضات، ولا يقاوم التناقض الساخر الأسود المبكي إلا وعي الإنسان نفسه، والقانون الذي يضعه، وإنسانيته إن جعلها أولا، وأخلاقه إن جعلها أولا أيضا، فالترتيب الأول مساحة تتسع كل الأشياء الجميلة!

@Halemalbaarrak