برجس حمود البرجس

وبدأت تتساقط الشركات 2

الأربعاء - 09 مايو 2018

Wed - 09 May 2018

كتبت مقالا قبل سنتين بعنوان «وبدأت تتساقط الشركات» وتحدثت فيه عن الشركات التي كانت تحظى بمزايا تفضيل على مثيلاتها من الشركات الأخرى. اليوم وبعد أن تساقط كثير منها، أكتب مقالا عن شركات أخرى ستتساقط لعدم امتلاكها أي قيمة مضافة. عوامل التنافس لن تكون مطلبا للأرباح الوفيرة فقط، بل إنها مطلب أساسي للبقاء على قيد الحياة.

شركات عملاقة وشركات كبيرة كانت تُفضل على غيرها بالعقود والمشاريع والمستخلصات والدفع - لم يعد لديها أثر - والمتبقي منها انخفضت إيراداته إلى النصف مقارنة بالسنوات الماضية. في الفترة القادمة ستتساقط شركات لا تمتلك أي قيمة مضافة وكانت تربح أرباحا كثيرة في ظل عدم الحاجة لأي قيمة مضافة وغياب التنافس.

في الفترة القادمة البقاء للأفضل والبقاء للتميز، ولن تعيش الشركات التي تفتقد مزايا للتنافس، وستتساقط الشركات التي كانت تحصد مئات الملايين دون مساهمة حقيقية في الاقتصاد ولا تساهم بتوليد الوظائف، فليس هناك مكان متسع لمن لا يساهم ولمن لا يتطور مع التحول بالمملكة.

توجهت الدولة للاستثمار وبناء بعض المشاريع من خلال ميزانية الدولة ومن خلال صناديق الدولة والشركات الحكومية والشركات التي تمتلك فيها حصصا كبيرة، نظرا لعدم إقبال القطاع الخاص على بعض القطاعات بمشاركة فعالة، ولا زالت البرامج الحكومية تترك مجالا لمشاركة القطاع الخاص بشرط أن تكون المشاركة حقيقية وفعالة، وتساهم في تحقيق أهداف المملكة واستراتيجياتها، خصوصا زيادة المحتوى المحلي وتوليد الوظائف.

عند مقارنة الأعمال للأعوام القادمة بالأعوام السابقة، الشركات التي كانت تحصل على إيرادات كبيرة دون مزايا للتنافس ومساهمة في بناء الاقتصاد وتوليد الوظائف، ستخسر كثيرا من إيراداتها وستخرج من السوق، فالمكان متسع لمن أراد التجديد والمشاركة، وستدخل شركات جديدة وشركات عالمية للأسواق، وشركات حكومية أيضا، فمثلا أتوقع أن الدولة ستبني شركات لمشاريع الإسكان، وشركات لمشاريع أرامكو والمشاريع الحكومية، وستتشارك الدولة مع شركات دولية وتعمل تحالفات لإدخال شركات قوية وتستطيع المنافسة والمساهمة في البناء الحقيقي.

خصخصة التعليم والمرافق الصحية والموانئ والمطارات والقطارات بحاجة إلى شركات تعمل جاهدة لتحل مكان القطاع الحكومي، وتقوم بالأعمال مع الحرص الشديد على تطوير الكوادر البشرية وتوليد الوظائف وزيادة المحتوى المحلي، فالخصخصة ليست شراء مدرسة وإدارتها بعقلية المدارس الخاصة التقليدية، وكذلك خصخصة المستشفيات الحكومية وبقية القطاعات.

التجارب السابقة للخصخصة لن تكون مقبولة، فخصخصة المطارات ليست فرصة استثمارية لرجال الأعمال لزيادة الثراء فقط، بل هي فرصة لهم لأن يستثمروا في العقول البشرية حتى تساهم تلك العقول في زيادة ثراء رجال الأعمال.

الشركات العائلية والمغلقة التي عدد ملاكها محدود لن تستطيع البقاء، وستصغر ما لم ينفتحوا على الأسواق المالية ويدرجوا شركاتهم بأسواق التداول، وأجزم بأن هذا لن يكون خيارا، بل إلزاما.

عندما ننظر للشركات الناجحة في الدول المتقدمة، نعلم أنها لم تصل للنجاح ببساطة، فقد استثمرت وبنت وساهمت في البناء بشكل حقيقي، وهذا النموذج الذي يجب أن ننظر له ونتيقن أنه سيكون النموذج الوحيد للبقاء للشركات المحلية بالمملكة.

لا شك بأن المشاركة الفعالة التي أتحدث عنها في المقال سترتفع عليها التكلفة، ولكن في المقابل على الشركات أن ترفع من كفاءة الأداء للشركة، وهذا التحدي الثاني لتلك الشركات. اليوم والأمس كان وضع الشركات مريحا لها، فالمصاريف ترتفع بشكل خارج عن السيطرة،

ولكن لم يكن ذلك مشكلة لأن الإيرادات كانت مرتفعة، الغد سيكون مختلفا كليا، فرفع الكفاءة ليس إغلاق فروع وتسريح موظفين، بل رفع إنتاجية الموظف بعد تطويره بشكل كبير وتحسين أداء المصاريف.

على جميع الشركات التفكير بعمق كيف ستتمكن من خفض المصاريف ورفع الكفاءة والمساهمة الفعالة في تطوير الاقتصاد وتوليد الوظائف، وأن تسارع في التأقلم مع الوضع المستقبلي الذي يتطلب التحول السريع.

Barjasbh@