حنان المرحبي

تنوع العلاقات والابتكار

السبت - 05 مايو 2018

Sat - 05 May 2018

حياتنا اليوم صارت شبكية، تحولت عقولنا إلى أوعية معلومات وكذلك موصلات. يجب ألا يفوتك تدفق التحديثات من الأخبار والأعمال والأهل والأصدقاء أو ستبدو متحدثا من زمن غابر أو تتحدث عن زمن غابر. عقولنا تفكر وهي موصولة بعوالم أخرى عبر الشبكات، تأملاتنا صارت تنتظر من يغذيها بالأفكار أو الموسيقى الهادئة، تكاد تصبح آلية، أي تعمل بمزودات طاقة أو محفزات، من الصعب أن تعزلها كي لا تفرغ أو تصدأ، أو تعاني الوحدة، اعتادت على أوطان أنظمة المعلومات النشطة. وإنه ادعاء غريب أن يشكو أحدهم الوحدة في زمن كهذا، لأن الخلل سيقال إنه منه هو، ألم ينم مهارات تواصل كافية تساعده على تكوين العلاقات التي تغذي احتياجاته العاطفية وتتوافق مع شخصيته وأخلاقياته وتشاركه التفضيلات في الهوايات والترفيه والعالم كله بين يديه (أي في جواله)!

إذا كان ذلك هو حالنا كأشخاص عاديين لا يترتب على خياراتنا «الشبكية» آثار واسعة على من حولنا، فكيف هو حال المديرين أو أصحاب القرار الذين يحددون المستقبل ليس لأنفسهم فحسب، وإنما للعاملين معهم والمجتمع الذي يعملون فيه وله؟

قام باحثون بتحليل تأثير شبكة علاقات 1212 مديرا تنفيذيا يقودون 1500 شركة مدرجة في S&P على قيم شركاتهم. شمل تحليلهم علاقات المدير المدرسية، والمهنية، والاجتماعية التي تتضمن الأندية والمؤسسات الخيرية في الماضي. وركز التحليل على قياس تنوع علاقاتهم الذي شمل ستة خيارات: الجنس، الجنسية، المؤهلات الجامعية، التخصصات، الخبرات المهنية، التجارب الدولية. أشارت نتيجة الدراسة إلى أنه كلما تنوعت علاقات المدير التنفيذي أدى ذلك إلى نمو استثمارات الشركة التي يتولى إدارتها. وأحد الأسباب يعود إلى أن تنوع العلاقات يفتح للمدير مداخل أوسع إلى المعلومات والمعارف، وبذلك يصبح أقرب إلى توليد الأفكار المبتكرة وتنمو لديه الرغبة في قيادة مشاريع ابتكارية رغم ما فيها من تحديات. وقد قدمت الدراسة دليلا يثبت ذلك، حيث وجدت أن الشركات التي يديرها مديون ذوو علاقات متنوعة تملك براءات اختراع هي الأعلى من حيث الجودة.

والسبب الآخر يعود إلى أن تنوع علاقات المدير يزيد من قدرته على الوصول إلى علاقات أجنبية تساعده على التعرف على فرص الأعمال أو الصناعات الواعدة من خارج الصناعة التي يعمل بها. الوصول إلى مثل هذه المعلومات عادة يحتاج تكلفة وجهدا في البحث، لكن تنوع علاقات المدير يمكنه من الوصول إليها دون تكلفة، ولوجود الخبرة لديه يستطيع الوصول إلى ما يحتاجه منها وتقييمه لاستثماره في قيادة مشاريع مبتكرة.

ظروف العصر جعلت إمكانية توسيع العلاقات أكبر، ولكن التنوع بحد ذاته لا يضمن الابتكار. وحين يكون الشخص مسؤولا أو صاحب قرار، من المتوقع أن القيمة التي تضيفها علاقاته لحياته المهنية وأداء أعماله جلية، ولكن التجربة حديثة وتتطلب قدرة على إدارة المعلومات ومهارات اجتماعية متفوقة، وقد تعوقها محدودية طاقة الإنسان في تحمل الضغوط الناشئة عنها، والغربة التي تحدثها المسافة بين الهوية الفردية والشخصية المقنعة بالمهارات الاجتماعية، وكذلك قصر الذاكرة.

hanan_almarhabi@