محمد السلمي

نيوم وثورة الهندسة الاصطناعية

الجمعة - 04 مايو 2018

Fri - 04 May 2018

ما الفرق بين الذكاء الصناعي والاصطناعي؟ سؤال لطالما أسعد بتوجيهه للأكاديميين والتقنيين لأختبر معرفتهم وحجم إدراكهم لمفهوم أبعاد ذكاء الآلة، رغبة في قياس التفاوت في فهم الفارق الذي يخطئ فيه البعض. ومع النقاش حول الفرق أجد إجاباتهم تتشابه في جانب آخر، وفيه الحديث عن اعتقادهم بأن ثورة الذكاء الاصطناعي - كما يستشهدون بأفلام هوليود - ستجعل من البشر ضحايا بسبب منظومة ذكاء آلية فائقة القدرة من حواسيب وروبوتات تنافسنا مستقبلا على سائر صفاتنا البشرية! وهذا اعتقاد قاصر لأنه لا يمكن لذكاء الآلة العمل متفردا بدون قرينه الإنسان؛ فالذكاء الاصطناعي يحتم أهمية تطوير قدرات وكفاءة العنصر البشري المدرب بالتوازي مع تطوير تقنيات برمجة ذكاء الآلة للحاجة المستمرة في صيانته وتحسين قدراته وحل المشكلات.

وعودة للسؤال أول المقال، الفارق يكمن في «القدرة على اتخاذ القرار من خلال نظم استنتاجية» أي تتعامل الحواسيب بمبدأ محاكاة السلوك الذكي للعقل البشري بهدف اتخاذ القرار الصحيح مع أي متغير. وبالتالي عبارة «الصناعي» تعني ما يمكن تصنيعه للحصول على نتائج متشابهة أو متكررة، بينما الاصطناعي هو المبالغة لدرجة التفرد في النتائج كل مرة، ولهذا المفهوم ما يدل على أهمية الذكاء الاصطناعي بأهمية القرارات الفريدة التي تواكب المعطيات مع ندرة التجربة المسبقة.

ومهما طورنا ذكاء الآلة مستقبلا فلن نصل لدرجة الروبوت الذكي القادر على اتخاذ كل القرارات متفردا مع عامل الزمن، مما يقر أهمية حضور العنصر البشري المدرب بشكل دائم ليواكب تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي مستقبلا، لأن الله خلق العقل البشري في قدرة عجيبة تكمن في اتخاذ القرار نتاج التفكر والعلم. نستدل بذلك على تميز الإنسان عن سائر خلق الله في حمل الأمانة ولو عن جهالة منه! ليتفكر الإنسان ويظل مخيرا فيما يعلم ومسيرا فيما لا يعلم، فإن أحسن قراراته بذكاء في العبادة وإعمار الأرض وجد السعادة في الدارين. ومن هنا يحتم أن نرى الذكاء البشري بمنظور يهم تطويره أيضا مع تطور طموحنا تجاه علم الذكاء الاصطناعي.

«الحالمون لا يمكن ترويضهم أبدا» كما يقول بالوا كوهيلو، فالطموح الذي بدأ يجري في دماء أبناء الوطن منذ الإعلان عن مدينة نيوم المستقبل ذات المليون روبوت ذكي هو نتاج إدارة ذكية يقودها الملهم ولي العهد أمير الشباب، ويدعونا بفخر لتكثيف الجهود في تطوير كل منظومة تعين في تحقيق الحلم «نيوم» وبلا شك الذكاء الاصطناعي أهم أدوات النجاح، لذا يهم الاستثمار في العقول أولا بما يوازي أهمية مدينة الحالمين حتى تغدو نيوم أيقونة لنهضة بشرية واعدة في مدينة السيليكون الأولى بالعالم.

وقد بدأت بوادره مؤخرا في حرص الدولة على ذلك، حيث أعلنت وزارة التعليم عن تعاونها مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لإطلاق مسارات جديدة للابتعاث الخارجي في تقنيات المستقبل مثل أمن وتحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي لتأهيل المختصين في تقنيات المستقبل، في خطوة مباركة وطموحة تدعونا لرفع المطالب أكثر بأن تتضافر الجهود لتطوير تخصص «الهندسة الاصطناعية» في كل الجامعات السعودية، مع الإيمان بأهمية تقنيات العصر، وأيضا أهمية تدريب أبناء الوطن لريادة نعيد فيها جدارة أمتنا. فإن كانت نيوم هي الحلم فالاستثمار في العلم وسيلة، وتطور أبناء الوطن غاية.

هذه رسالة وطنية إلى المسؤولين لتحقيق حلم تأسيس جامعة تختص بتقنيات العصر، وتأسيس أول نموذج عالمي تعليمي في الهندسة الاصطناعية للاستثمار في عقول أبناء الوطن واستقطاب الكفاءات من حول العالم، والتخصص في التقنيات المتقدمة، مما سيعين على تحقيق حلم نستيقظ على آماله مع كل صباح، وكم أتمنى بصدق أن تسمى «جامعة الملك سلمان للعلوم المتقدمة» كأول جامعة من نوعها في العالم ومقرها في نيوم. اللهم آمين.