غزل اليزيدي

المعونات الدولية بين الواقع والادعاء

الجمعة - 04 مايو 2018

Fri - 04 May 2018

المعونات الدولية هي إحدى عمليات الدعم التي تقوم بها الدول المانحة والمقتدرة تجاه الدول المحتاجة، سواء كان لغرض سد العجز في الموازنة وتحقيق برامج التنمية أو لظرف استثنائي كحدوث كارثة. تكون المساعدات بتقديم الموارد المالية والعينية على تنوعها، وتتم وفق بروتوكولات العلاقات الدولية، ويتحقق نتيجة لهذا أكثر من هدف طبقا للأهداف المراد تحقيقها، سواء كان لتعميق علاقات الأخوة والوفاق الدبلوماسي بين بلدين أو كنوع من المكافأة نتيجة لتعاون تحقق مسبقا.

في بعض الأحيان، وعندما يستمر الدعم لفترة طويلة، فقد يتسبب هذا النوع من المساعدات بتأثر الدول المقترضة الكبير بالدول المانحة، نتيجة لتعاملها المباشر معها ونشر ثقافتها، بالإضافة إلى أن بعض الدول المانحة تخالف البروتوكول المتعارف عليه دوليا في تقديم المنح والمساعدات الدولية لأغراض إنسانية، وتستغل هذا الوضع لأغراضها غير المعلنة، كالحصول على تسهيلات ومميزات تصب في مصلحتها بطريقة غير عادلة.

كانت بداية تقديم المنح بشكلها المتعارف عليه في عام 1947، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما عرف باسم مشروع مارشال لإعادة إعمار الدول الأوروبية بعد الضرر والدمار الذي لحق بها نتيجة الحروب. لذا، كانت المنح تصرف في البداية لأجل بناء وترميم مشاريع البنية التحتية التي دمرتها الحرب. لاحقا، تم إنشاء العديد من المنظمات والهيئات الدولية التي بدأت في تحقيق أهداف التنمية، وامتدت هذه المنح لتشمل الدول النامية وتقديم الدعم لها بهدف المساهمة في دعم مشاريع التنمية وتطوير المجتمعات كالقضاء على الأمية والفقر.

تعتبر المنح والمساعدات الأجنبية أحد أهم مصادر الدعم الأجنبي للدول التي تعاني من أزمات ووضع غير مستقر. حيث تنفق العديد من الدول المقتدرة ما مجموعه مئات الملايين سنويا، تحت بند المساعدات الخارجية، للمساهمة في تنمية وتطوير الدول ذات الوضع الاقتصادي المتأزم.

من المهم الإشارة إلى أن المنح تختلف عن المساعدات، حيث تعتبر المنح هبات مالية عينية تمنح ولا تسترد بأي شكل. أما المساعدات فتأخذ العديد من الأشكال، من ضمنها القروض الميسرة والواجب سدادها كما هو متفق عليه.

بصفة عامة يتم إنفاق المساعدات في المجالات التنموية، والإنسانية والمجالات الخيرية. فالمساعدات أو المعونات الخارجية نتقسم إلى: مساعدات نقدية، وهي عبارة عن التحويلات المالية ورؤوس الأموال الأجنبية. والمساعدات الفنية، وتشمل الدعم الفني الخارجي كإرسال خبراء ومعلمين وفنيين لمنحهم مزيدا من المهارات في مختلف المجالات. والمساعدات غير المباشرة، وهي الامتيازات الحكومية المقدمة لدولة ما، كالتعريفات الجمركية والإعفاءات الضريبية. وأخيرا المساعدات العينية، وهي المساعدات السلعية كالمساعدات الغذائية والمساعدات الفنية والتكنولوجية.

المعونات الدولية تتخذ العديد من الأشكال، فعلى سبيل المثال غالبا ما تكون لأغراض إنسانية كالاستجابة لحالات الطوارئ مثل الكوارث الطبيعية والإغاثة، وهناك منح تقدم لأغراض طبية للحد والقضاء على تفشي بعض الأمراض المعدية، ومنح تقدم لأسباب عسكرية لحفظ الأمن والسلم في بعض الدول، مثل قوات حفظ السلام الدولية. يذكر أنه عند إعطاء المنح المالية صفة القرض الواجب السداد لا يتم اعتباره منحة، بل مساعدة مالية.

من أكبر المشاكل التي تواجه الدول المقترضة هي الفشل في سداد مديونياتها، وذلك بسبب عدم الاستفادة المثلى من الأموال المقترضة، أي إن القروض لم تنجح في توفير عائد ربح مرض من استثمارها بعد سداد القرض، أو حتى ما يكفي لسداد قيمة القرض. على سبيل المثال بعض المساعدات المالية في عدد من الدول لم تعط النتائج المرجوة للنهوض بالوضع الاقتصادي، حيث إن المساعدات المالية والتي تعتمد على القروض لا تسهم في تقليل عجز الدولة وتحسين وضعها الاقتصادي. هذا يؤدي في بعض الحالات لأن تتنازل دولة عن عوائد أحد مواردها لفترة ليست بالقصيرة في سبيل تسديد قيمة بعض قروضها المالية، بمعنى أن الوضع الاقتصادي لبعض الدول النامية زاد في التأزم عما كانت عليه منذ سنين مضت، وذلك لتراكم ديونها وتردي اقتصادها، بسبب تزايد الديون عليها لعدم قدرتها على سداد قيمة قروضها السابقة. هذا أدى لتبعية بعض الدول النامية للدول التي تمدها بالمساعدات، وذلك لعدم قدرتها على تسديد كافة مستحقاتها وتحررها من قيد الديون.

بالإضافة لهذا، قد يحدث استغلال من بعض الدول والمنظمات الدولية المانحة للدول النامية، فقد تجبر الدول النامية على تبني المواقف السياسية الدولية للدول المانحة، سواء باقتناع أو لا، وذلك لضمان استمرار الدعم والمساعدات. تعتمد أيضا بعض الدول المانحة على الدول النامية في تزويدها بالأيدي العاملة الرخيصة والموارد الأولية والمنتجات الزراعية وغيرها، كنوع من الامتياز لها.

مما لا شك فيه أن المعونات المالية والعينية، سواء كانت منحا أو قروضا واجبة السداد، تعود بالنفع الكبير على الدول المحتاجة عندما يحسن استغلالها أفضل استغلال، كاستثمارها في المشاريع الاقتصادية والتنمية البشرية.

ومن بعض أسباب

تقديم المساعدات الدولية أن الدول تعمل للمحافظة على علاقات طويلة الأمد بينها، وليس مجرد تعاون عابر لا يؤثر على مستقبل العلاقات المشتركة بينهما. هذا هو النهج الذي انتهجته المملكة العربية السعودية في دعم ومساندة أشقائها من دول الجوار والدول الصديقة، لتحسين أوضاعها والنهوض من أزماتها.

ختاما، عندما تحصل الدولة المقترضة على معونات من إحدى الدول المانحة لدعم وتنفيذ أحد المشاريع فيها، بشرط أن يحصل العاملون في الدولة المانحة على نسبة كبرى من الوظائف في هذا المشروع، أو بفرض شروط تسديد صعبة للقرض، فإن هذا يحد من صلاحيات الدولة المقترضة ومن الاستفادة المتحصلة من هذه المعونة. هنا قد يكون الضرر من هذه المعونة أكبر من نسبة الاستفادة منها. يتشابه في هذا الاشتراطات المعقدة لبعض الهيئات والمنظمات الدولية المانحة، والتي يعوق تدخلها المباشر وغير المنطقي في كيفية إدارة الدول لمعوناتها وفي تحقيق الاستفادة المرجوة من المعونات.