العبور إلى المستقبل

السبت - 28 أبريل 2018

Sat - 28 Apr 2018

إنني مع الاختلاف في الرؤية، لكنني لست مع «وضع العصي في الدواليب» كما يقول أصدقاؤنا اللبنانيون.

كلما نظرت إلى وجوههم التي لم تحرك ساكنا تجاه هذا الحراك الذي حلمت به يوما ولم يخطر ببال كثيرين تساءلت: ماذا يريد هؤلاء؟

فلو بحثنا أمر الترفيه قالوا: وكيف يكون هناك ترفيه بجانب بيوت شعبية وبطون جائعة؟! وتارة يتحججون بإحدى الحروب المستعرة في منطقتنا الموبوءة التي لا تنطفئ نيرانها. لقد ظللنا نحو 40 عاما حبيسي الجمود واللا حراك، وسط بطء خطط سلبتنا الحلم والأمل، والحديث سنويا عن الصحة ومشاكلها وضعف التعليم.

منذ سنوات نشرت «القبس» الكويتية في افتتاحيتها نقدا لاذعا لحال الكويت وانشغال مجلس الأمة بقضايا هامشية، دون الحديث عن العلاج.

إنني أتطوع نيابة عن جيل كامل عاش أسيرا لتقاليد بالية وأقنعة مزيفة لدين كريم، وقد ضقنا بذلك وقد بلغ السيل الزبى! ولو لم يكن للقيادة الحالية إلا هذا الحراك لكفاها.

ولقد حدثتني نفسي اللوامة يوما بما قاله مصطفى أمين يوما «وعندما نسمع وعدا خلابا لا نناقشه ولا نطبق عليه قواعد المنطق، فنحن نقبل الأنباء السعيدة بلا مناقشة، ونتشكك في الأنباء التي تصدم عواطفنا وأحلامنا». فقلت: لا، لا أظن، فالشواهد كثيرة. وآخرون أعجب لهم وهم من يتاجرون. يقول المفكر علي شريعتي «وأولئك الذين يتصورون أنه يمكن في الحضارة والثقافة قطع طريق مئة سنة في ليلة واحدة، إما أنهم لا يفهمون، وإما أنهم يريدون ألا يفهم الآخرون».

وهم نموذج للظاهرة العجيبة التي لا يطربها زامر الحي، فهم يثنون على أمر لدى الآخرين ويشككون فيه لدينا! وهم يذكرونني بمقولة الأديب نجيب محفوظ «والشيء شيء حيثما كان ولكنه لا شيء في عوامتنا!». ولقد تساءلت أهم نفسهم الذين ما انفكوا يرددون كالببغاءات منذ الثمانينات بأن «دبي فقاعة»؟!

ورغم ألم أرباب القطاع الخاص وشعوري بمعاناتهم، إلا أن لدي إحساسا أننا نعبر جسرا موقتا إلى ضفة المستقبل، وكلي ثقة أنه سيكون مستقبلا باهرا سيجد فيه الكثيرون دورا لهم، كما ستجد الكثيرات من بنات الوطن مكانا لهن في وظائف هن أولى بها، التغيير يحدث ومزيد من التغيير قادم أيضا.

ولو أن بعض ما سأسرد ليس بحد ذاته أحلاما إلا أنها مجرد شواهد على الحراك، وكثير مما يحدث له دخل رئيس بالاقتصاد ووقف تسرب الأموال للخارج. ولعل تأسيس مشروع الشركة السعودية للصناعات العسكرية «SAMI» سيدعم الاقتصاد الوطني بتوطين صناعة الأسلحة وخفض الإنفاق الدفاعي في الوقت نفسه.

منذ سنوات كانت عطلتنا الأسبوعية الخميس والجمعة وباتت الجمعة والسبت. منذ سنوات كانت جحافل المحتسبين ترتع هنا وهناك، وتسحل فتياتنا، وتركل رجلا إنجليزيا لأنه وقف في كاشير العوائل! وكم حذر هؤلاء من سلوكياتنا إن نحن جلسنا سويا، وها نحن اليوم نرتاد المنتديات والمقاهي بمنتهى التحضر.

منذ سنوات سيطر التافهون على المشهد وحذرونا من شرب قهوة ستاربكس، واليوم يقود المشهد أمير شاب يرتشف قهوة ستاربكس ويلتقي رؤساء شركات قوقل وفيس بوك وغيرها.

منذ سنوات منع مقال لي لأنه يتحدث عن الموسيقى في حياة الشعوب! واليوم نطرب في الرياض لفرقة الأوبرا المصرية إلى أن يكتمل تشييد دار الأوبرا لأول مرة في المملكة.

منذ سنوات كان بائع ملابس النساء الداخلية رجلا عربيا، واليوم تقف فتاة من الوطن مكانه، وستقود سيارتها إلى مكان العمل قريبا.

الأحلام كثيرة، لكن دعونا نستمتع بما أنجز، سننعم بالترفيه في بلادنا، ولن نضطر إلى عبور جسر لمشاهدة فيلم في السينما، وسيحد من الفساد، وسيقل إدماننا على النفط، وسينهض التعليم وتصحو الصحة من سباتها، وما انغلق باب إلا فتحت غيره أبواب.

أمامنا المستقبل فلنذهب إليه وكفانا سباتا.