فقدان الهوية

السبت - 28 أبريل 2018

Sat - 28 Apr 2018

لقد لاحظنا في هذه الفترة مع انفجار الثورة الرقمية وتعدد برامج التواصل الاجتماعي انتشار ظاهرة غريبة، ألا وهي «انشر غسيلك تشتهر»، فانعدمت بذلك الحياة الخاصة، وأصبح الجميع يلهث وراء مواكبة هذه الظاهرة، حتى أصبحنا نجد أن البعض يعيش حياة كاملة خلف الشاشات وحياة أخرى قد تكون مناقضة لها في الواقع، فأصبح الناس يدعون مثالية زائفة مصطنعة ويطالبون من حولهم بها.

وانتشر ما يسمى بالمفهوم العامي «الهياط» بين الناس، خاصة في أوساط النساء، فبعضهن تجدها تقتني أشياء أعلى من استطاعتها فقط لغرض التصوير، وتتفنن في الضيافة وأنواع الأصناف من الأطعمة والمشروبات فقط لغرض التصوير أو بداعي المباهاة، ومع الأسف ينتهي بها المطاف في سلة القمامة.

والبعض تجده يبالغ في التعبير عن حدث ما أو مناسبة بألفاظ قد لا يكون يشعر بها في الحقيقة، فتعلم الناس ارتداء الأقنعة والمشاعر الزائفة، ومن هنا تظهر خطورتها، فهي تخرب القيم والمبادئ الصحيحة والسليمة وتزرع في النفوس قلة المصداقية والتبعية إذا استخدمت بشكل خاطئ، وتعد سلاحا ذا حدين.

وقد أصبحنا نلاحظ انتشار الشائعات الكاذبة التي سرعان ما تنفى أو تكذب من قبل ناشريها، والأخبار التافهة التي لا تعني المشاهد بأي شكل من الأشكال وهي من تتصدر العناوين، فقبل أيام عدة شاهدت في أحد حساباتي ضجة إعلامية كبيرة بين مشاهير من وسائل التواصل وصلت إلى درجة إطلاق الاتهامات والتجريم فيما بينهم والمتابعين، ما بين مؤيد ومعارض، ويتبادلون الشتائم، وهذا المشهور أو المشهورة لا يدري عنهم، وقد يكون هذا الخبر في الأساس مفبركا ولا أساس له من الصحة، وربما يكون متفقا عليه لكسب المتابعات للطرفين، فانشغل الرأي العام بالسخافة وأهمل القضايا الأساسية المهمة، فنجد أن الأب والأم والأولاد غارقين، وكل في فلك يسبحون.

حتى الطفل ذو العامين مشغول في عالمه الطفولي الذي لا يخلو من مشاهد قد تعلمه عادات سيئة، فغاب مفهوم الجلسة العائلية الحميمة واجتماع العائلة على القهوة أو الشاي، وبسببها انشغل الوالدان عن مهمتهما الأساسية، وهي بث القيم وروح الأصالة والانتماء في الأبناء.

ومما أذكره في طفولتي أن والدي، رحمه الله، كان يحرص على جلوس العائلة بعد كل مناسبة أو عودة أحد من السفر فنتبادل الأخبار على دلة القهوة والتمر والجميع منصت مستمع، ولا تخلو هذه الجلسات من حكمة أو موعظة وقصص من الماضي الجميل، فبمثل هذه الاجتماعات العائلية الجميلة لا يغادر أحد المجلس حتى يكون اكتسب خبرات عدة وارتفع بداخله حس الانتماء وروح العائلة، لذلك يجب أن ينتبه المجتمع لهذا الطوفان الهائل قبل أن يغرقنا جميعا.

يجب أن يعود دور الأب والأم في تربية الأبناء وإعدادهم جيدا لمواجهة الحياة، وغرس روح الأصالة والانتماء للعائلة والوطن.

الأكثر قراءة