ميزة الجاهلين في مجتمعنا..

الأربعاء - 25 أبريل 2018

Wed - 25 Apr 2018

ما أقصده من مصطلح «الجاهلين» في العنوان أطال الله بقاءهم وأكسبنا أجرهم- ليس من لم يحظوا بفرص التعليم الرسمي أو لم يحصلوا على شهادات عليا أو لم يرتقوا إلى مستويات ثقافية كبيرة أو لم ينالوا جوائز تقديرية عديدة. على العكس تماما - سيداتي وسادتي القراء، بل هم من قيل في تصرفاتهم وأفعالهم وتم وصفهم بـ «الحمقى»، أي المختلين وغير الأسوياء سلوكيا ونفسيا في مجتمعنا. ويأتي هذا الخلل أو البعد عن الصواب لديهم بعدة أشكال وأنواع، فمنه اللفظي كالشتم والسب والتعريض بالقول وتأليب الرأي بالباطل، أو الفعلي كالضرب والدفع وتدبير المكائد، أو الإيمائي كالغمز واللمز وتصعير الخد. فمقصدهم من وراء ذلك كله هو التعرض للآخرين ومحاولة التقليل من شأنهم حسدا من عند أنفسهم.

فالجاهل والأحمق وجهان لعملة واحدة وهي سوء الخلق، إذ تجدهم كثيرا في مواقع المجتمع يعيشون ويتعايشون على ضفاف نجاحاتنا، فمنهم القريب كالابن والأخ وابن الأخ وابن العم وابن الخال، والبعيد كالجار والزميل وعابر السبيل... إلخ، وكثيرا ما تجدهم ينثرون جهلهم ويعتدون على ذوي القربي والمجتمع بتقطيع أرحامهم وتفريق عوائلهم وقذفهم وإيذائهم. والمحزن أنهم يربون أبناءهم وينشئونهم على الجهل والحماقة مثلهم تماما، ويوجهونهم لأبجديات وهجائيات الرعونة والطيش.

فالجاهل والأحمق والأرعن في اللغة هو المندفع وناقص العقل وضعيف التصرف، لا يسعفه عقله في كثير من المواقف التي تواجهه، ولا يستطيع تقدير عواقب الأمور الحاضرة أو المستقبلية، يسبق قوله تفكيره وفعله يناقض عقله. قال الشاعر المتنبي واصفا إياهم «لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها».

ومن وجهة نظري السلوكية والنفسية للأشخاص «الجاهلين» في مجتمعنا بتطبيق مبدأ الملاحظة عليهم أجد أن غالبيتهم، أعان الله ذويهم ومن حولهم، ينتابهم مرض نفسي عضال يطلق عليه في علم النفس السايكوباتية Psychopathy، أي الشخصية المضادة للمجتمع، إذ يبدأ هذا المرض بالتشكل والتوغل في الشخصية نتيجة التربية المصاحبة للقسوة والضرب الوالدي الشديد أو الإهانة الدائمة أو التفريق بين الأبناء والتركيز على نمط الجلافة المصاحب للدونية، فينشأ شخص حاقد مجتمعيا أحمق في تصرفاته متهور وعديم الخجل، لا يبالي مع من يتحدث ولا يحترم من أمامه، ويستمر على ذلك حتى يصاب بالهوس الانفعالي النشط لأي موقف وأي شخص يستثيره، ويبدأ بمن حوله ومن أقرب المقربين إليه، ولا يندم على أفعاله تجاههم، بل يزداد حقدا على الناجحين وأعمالهم المثمرة. فالجاهل لا يتقن وسيلة الدفاع بطرق منطقية وعقلانية، بل لديه قدرة خارقة على الهجوم ولديه قوة على التطاول والقدح والتجريح، ويتحرر من كل قواعد التربية والأدب، فهو يداهن وينافق لمصلحته الخاصة إذا ما اشتهت سفنه الإبحار لمواجهة رياح الحق طلبا للرسو على شواطئ الباطل.

وأجد أن الجاهلين يرتكبون بأفعالهم مزايا عديدة لصالح من هم على خلق بديع ومقام رفيع مجتمعيا ولم يكترثوا لحماقاتهم، بل استمروا في تحقيق أهدافهم وغاياتهم المحمودة، حيث وصفهم الرحمن بقوله تعالى «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، سورة الفرقان الآية (63).

ولنأخذ عزيزي القارئ عدة نقاط أعتبرها من المميزات التي يسقطها الجاهلون من حولنا ليتميز عنهم ذوو الخلق والحلم. أولا، الجاهل يعتبر عدوا لنفسه، صديقا للناجح مجتمعيا يمنحه القوة والمنعة بطرق غير مباشرة؛ فأجد أن العلاقة بين الجاهل والخلوق علاقة طردية، إذ كلما ازدادت حماقة الجاهل ازداد علو كعب الخلوق نجاحا وحلما وعلا شأنه مجتمعيا.

ثانيا، نرى أن الجاهل يتساوى وصفا وحالا مع النار من حيث إنها تكاد تميز من الغيظ ويأكل بعضها بعضا، لتأتي أنت صديقي الخلوق بهدوئك ورقيك وتحثو عليه حفنة من التراب فتعلو عليه قدرا وأجرا عند الله. ثالثا، الجاهل لا يعرف النور، بل يتشابه مع الخفاش في حاله وصفاته، فهو لا يبصر مثل الجاهل وينشط في الظلام ويختبئ في الكهوف وينام رأسا على عقب ويتحرك بالسمع فقط، أما الخلوق والناجح فيتحرك في وضح النهار واثقا في خطاه معتدل الحال لا يهمه القيل والقال. رابعا، الأجر الكبير من المولى عز وجل لمن ابتلي بالجاهل من ذوي القربي والمجتمع، فصبرهم على جهله وإعراضهم عنه يزيدهم أجرا، قال تعالى «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» سورة الأعراف آية (199). خامسا، أهم ميزة لأصحاب الخلق وهي القرب من مجلس المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. جعلني الله وإياكم ممن قال بحقهم في حديثه «إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا».

فأي مزايا يمنحنا إياها الجاهلون؟ وأي حظ يمكننا منه الحمقى بجهلهم؟ وأي خير يغدق علينا بسببهم؟ فهنيئا لنا بميزة الجاهلين في مجتمعنا.