مظاهر التطرف

تمهيد: في هذه الأيام العصيبة دخل التطرف مرحلة جديدة متقدمة، واتخذ شكلا أعنف وأشرس من أي وقت مضى، وذلك بسبب تساهلنا (شعوبا وحكومات) في قطع دابر التطرف منذ نعومة أظفاره، بل ومساهمتنا بشكل أو بآخر في نمو شجرته واشتداد عوده، بغض النظر تارة، وبالتساهل والتعاطف تارة أخرى.

تمهيد: في هذه الأيام العصيبة دخل التطرف مرحلة جديدة متقدمة، واتخذ شكلا أعنف وأشرس من أي وقت مضى، وذلك بسبب تساهلنا (شعوبا وحكومات) في قطع دابر التطرف منذ نعومة أظفاره، بل ومساهمتنا بشكل أو بآخر في نمو شجرته واشتداد عوده، بغض النظر تارة، وبالتساهل والتعاطف تارة أخرى.

الخميس - 09 أبريل 2015

Thu - 09 Apr 2015



تمهيد: في هذه الأيام العصيبة دخل التطرف مرحلة جديدة متقدمة، واتخذ شكلا أعنف وأشرس من أي وقت مضى، وذلك بسبب تساهلنا (شعوبا وحكومات) في قطع دابر التطرف منذ نعومة أظفاره، بل ومساهمتنا بشكل أو بآخر في نمو شجرته واشتداد عوده، بغض النظر تارة، وبالتساهل والتعاطف تارة أخرى.

والتطرف يتدرج في مراحله حتى يصل معتنقوه إلى وضع يصدق عليهم فيه اسم الخوارج، فهم فعلا خوارج هذا العصر.

وقد حذرنا منذ عشرات السنين من هذا الفكر الخطير، من خلال بعض الكتب والمقالات، وها نحن نعود مرة أخرى في هذا الوقت الذي اشتكى فيه الجميع من آفة التطرف، لنقف على التشخيص والأسباب والمخاطر والعلاج.

إن التطرف والغلو علة لها أعراض ودلائل، وعلامات ومظاهر. وقد تحاشيت ذكر الأسماء مكتفيا بالإشارة إلى الداء وتحليله لتقديم العلاج والدواء. وذلك اقتداء بهديه، صلى الله عليه وسلم، حيث قال «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا» فأغفل ذكر أسمائهم وأكتفي بعلاج خطئهم.

ومن أهم مظاهر التطرف:

1 التعصب للرأي:

إن التعصب للرأي والنفس من أول دلائل التطرف، بحيث لا يعترف للآخرين بوجود، ويحجر على آراء مخالفيه ويلغيها، فهو يثبت رأيه ويتعصب لنفسه، وينفي كل ما عداه.

ويزداد الأمر خطورة حين يريد فرض الرأي على الآخرين بالقوة، والغلبة عن طريق الاتهام بالابتداع أو بالكفر والمروق، وهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفا من الإرهاب الحسي.

2 التمحور حول الشخصيات والأحزاب والجماعات:

فتجد كثيرا من هؤلاء لا يقبلون النقد، فإذا ما وجه النقد إلى من ينتمون إليه، لا يقبلونه، ولو كان علميا نزيها، ويحملون حملات عنيفة على مخالفيهم تحت ستار الانتصار للسلف، وما هو إلا الانتصار للأهواء والآراء والأغراض والمصالح الشخصية والمادية والرغبة في الحكم تحت شعار الدين، كما ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أمثال هؤلاء في حديث عدي بن حاتم عندما تلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قول الله تعالى في سورة براءة (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه» رواه الترمذي في كتاب التفسير رقم (3095).

3 التقليد الأعمى:

والتقليد الأعمى ينشأ عن التعصب، وعن الثقة بالإمام المقلد ومنهجه وطريقة اجتهاده.. وهنا ننبه ابتداء إلى أن التقليد في أمور الفقه ضرورة شرعية، لأننا لا نستطيع أن نوجب على كل إنسان أن يكون مجتهدا.

ومن صور التقليد الأعمى المتابعة في الحكم على الأشخاص والكتب والجماعات ولا يكلف الواحد من هؤلاء نفسه أن يلتقي بالمخالف أو أن يحاوره أو أن يقرأ كتابه.. ثقة وتقليدا لمن نقل له ولقنه الحكم على الآخرين ودربه على (تصنيف الناس).

4 سوابق الأفكار:

فمهما عرضت على أمثال هؤلاء من الأدلة والبراهين، فإن سوابق الأفكار لها تأثير على عقولهم، وهذه السوابق لها تأثيرها، فيصعب عليهم أن يتخلوا عن سوابق أفكارهم ومفاهيمهم، وينتج عن تلك الأسباب تبلد العقل، وتحجر الذهن، والانطواء والتقوقع.

5 الانطواء والتقوقع:

يتخذ (المتطرفون) مواقف معينة من منطلق فهمهم وتفكيرهم. وهم بطبيعة تعصبهم وتمحورهم لا يقتنعون برأي غيرهم، ولا يستطيعون أن يقنعوا غيرهم، ويرى كل فرد منهم أن رأيه ووجهة نظره هي الدين وما سواها ضلال مبين .. ومع مرور الوقت ينطوي كل فرد على نفسه، لأنه أغلق باب الحوار والتفاهم، ويتقوقع الأفراد داخل ذواتهم ويدورون حول أفكارهم وآرائهم.

وأكثر هؤلاء لم يطلعوا إلا على رأي واحد، ولم يقرؤوا سوى صفحات معينة من كتب محددة.

6 التجرؤ على الفتوى:

ومن مظاهر الغلو وآفاته، التجرؤ على أحكام الدين بإصدار فتاوى التكفير والتبديع والتحليل والتحريم.. ويصدر هذه الأحكام من لا يملكون القدرة على فهم نصوص القرآن والسنة، وهم غير مؤهلين لا عقلا ولا شرعا لاستنباط الأحكام.

7 الطعن في العلماء والتشنيع على المخالف:

إن حصر الحق في شخص أو مذهب، واعتقاد أن الحق وقف عليهم، سيؤدي في النهاية إلى التشنيع على المخالف، تحت ستار «الرد على المخالف من أصول الإسلام» وما هو إلا الانتصار للنفس والهوى في كثير من الأحيان، وجعل الأمور الظنية قطعية، والمختلف فيه كالمجمع عليه..

8 الجلافة والغلظة والخشونة:

ومن مظاهر التطرف وعيوبه: الجلافة والغلظة وافتعال الخصومات بين المسلمين، وما أكثر الخصومات التي تثير الفرقة والخلاف، فبعض هؤلاء يخاصم الناس ويعاديهم، ويتجهم في وجوههم.. إذا مر بالناس لا يلقي عليهم السلام، ولا يرد عليهم إلا من كان على شاكلته ومظهره.

9 الفهم الخاطئ:

يخطئ من يحاول احتكار السلفية باعتبارها مذهبا إسلاميا، في حين أنها مرحلة زمنية مباركة، والالتزام بمنهج السلف هو الانضباط بقواعد فهمهم للنصوص، والتقيد بما اتفقوا عليه من الحقائق الاعتقادية والأحكام السلوكية، ولا يتحقق ذلك إلا بالتزام منهجهم في قواعد تفسير النصوص، والرجوع إلى طريقتهم في أصول الاجتهاد واستنباط الأحكام. أما أن تتحول (السلفية) إلى مصطلح جديد، تندرج تحته فئة معينة من المسلمين، تمتاز عن بقية المسلمين ببعض الفهوم المعينة فهذا غير صحيح.

10 التزام التشديد دائما:

من مظاهر التطرف الديني: التزام التشديد دائما، وإلزام جمهور الناس به، حيث لم يلزمهم الله به، ومع وجود دواعي التيسير. ولا مانع أن يختار الإنسان لنفسه الأشد والأثقل في بعض المسائل تورعا واحتياطا، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا منهجه دائما، وأن يعمم ذلك على الآخرين، مع الحاجة إلى الرخصة والتيسير. والله سبحانه وتعالى يقول «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» البقرة: 185.

بل ينكرون على أكابر العلماء أخذهم بفقه الواقع، مع أن الأئمة قالوا: إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، لما تطرأ من مستجدات عبر العصور.