محمد أحمد بابا

جربان

الخميس - 12 أبريل 2018

Thu - 12 Apr 2018

أشعر بالذنب تجاه عنز كنا نتركها في مساحة ضيقة وحدها بعد أن اكتشفت جدتي رحمها الله تعالى أنها جربانة، نطعمها ونسقيها حتى تلاقي حتفها أو تبرأ وحدها، ولا نسمح لها بالاختلاط بعنزين أخريين هما رأس المال ومعين اللبن.

ماتت تلك العنز دونما أن تكون في ذلك الوقت حقوق بيطرية لغنم الجدات إلا مجهودات ممرض واحد مشهور لا يزور إلا غنم التجار.

وذلك الموقف ذكرني بدموعي المنهمرة وأنا أشاهد ابن البواب في فيلم عربي قديم يتعرض لموقف لا يحسد عليه حين جاء خاطبا لبنت صاحب البناية الذي كان يحب أباه ويصادقه حتى صاحت أم البنت: لو لم يبق من الرجال إلا هذا الجربان فلن يتزوج ابنتي.

وعذرت زملاء لي وأصدقاء عمر اليوم وأنا أتذكر هذه الأمور حين كانوا يصفون أي واحد منا لم يزر الحلاق بضعة أسابيع أو انقطعت مياه الاستحمام في بيته لأيام بأنه يمر بفترة جربنة.

وقبل أيام دخلت مجلس رفقة لي وقلت لهم قبل أن يتساءلوا: يا جماعة أنا في حالة جرب اجتماعي فلا تؤاخذوني، وكنت أقصد حكة فكرية عظيمة الألم تختلط في رأسي عن تعاملنا مع قضايا الصحة في التعليم والتعليم في الصحة، والبلدية في القروية والقروية في البلدية، حتى خفت بأن تكون العملية في النملية.

خضت تجربة الجرب الاجتماعي بتحمل وصبر وقلة نوم لأنني أثق في تصريح مسؤول طمأنني بأن الجرب مثل الزكام، فلا مجال للخلاص منه سوى الراحة والخلود للخمول حتى ينصرف وحده.

ومن محاسن الصدف أن أصوات المتحدث الرسمي باسم توصيف العلل والأمراض أبان مبتسما بأن الجربان لا يموت بجربه البتة، وإن مات فليست العلة الجرب باستقصاء ميداني شمل عددا كبيرا من الجربانين الحيارى.

رجعت بذاكرتي لابن البواب الجربان الذي جعلت أم المخطوبة جربه سببا لرده، فعرفت بأن الفقر وارتفاع أسعار أدوات النظافة والماء حين انقطاعه سبب في الجرب، لكن مسؤولا مبادرا سبقني وأمر بمكافآت مالية لصبية وصبايا صغار عبث بهم الجرب، فلعلهم يشفون.

أما عنز جدتي المتوفاة قبل 38 سنة فليتها عاشت حتى اللحظة لتطمئن وترتاح وهي تقرأ في برامج التواصل الاجتماعي أن علاج الجرب متوفر في كل مكان، وأن الشفاء منه لا يتعدى 12 ساعة، لكن سيف الجرب سبق عذل البيطار، رغم انتقام الأقدار لها بأن تجربنت إبل وأبقار.

ما من أحد منا - إلا من رحم ربي - إلا وسمع ولو مرة في حياته من ينهره ممن له وصاية أو ولاية تأديبية عليه قائلا له: انقلع بلاش جرب، فيعود لنفسه متهما حصاته وثيابه ولحاف نومه واختلاطه بأصحاب في أحياء فقيرة عشوائية الاحتواء والعفوية.

كون الجرب من الأمراض الجلدية جعل أي حكة هذه الأيام تعادل حكة مدمني شم الهيروين لأنوفهم، فيضحي ذلك شكا يسمك ويعيرك بالجربان ولو على استحياء تحسيس، فتتصابر عن الهرش أمام أحد خوفا من وصمة جرب.

وحيث اتضح من تصريحات صحية بأن جرب الإنسان يختلف عن جرب الحيوان، فهناك إذن فرق شاسع بين عنز جدتي وابن البواب، لكن الذكي من ينسلخ من جرب سابق بتطبيق تصريح صحي مفاده: أن الجرب بعد الخلاص منه لا تبقى له آثار.

ومن المناسب هنا إيراد قول لامرأة في غرب أفريقيا العربية ظهرت في مشهد مصور قبل فترة وهي تقول: الحب ينفي ويقتل الحشرات، وقد قصدت بذلك أن يساعدها أهل التواصل الاجتماعي في البحث عن حبيبها المفقود الذي ربما خاف من جرب، مما أثار سخرية ونكتة موسم، لكني تيقنت الآن بأن من يحب سيخشى على حبيبه ويكافح كل حشرات نفسه حتى لا ينقل جربا لمن يحب، ففهم الحبيب رسالتها وعاد.

ولعل أزمة مرض الجرب الأخيرة شملت تطبيقات احترازية دينية بامتياز امتثالا للنص (لا يورد ممرض على مصح) وبمفهوم المخالفة لا يزور مسؤول وفريق عمله مواقع الإصابة بالجرب، ولكن من حقهم زيارة مواقع نظيفة نموذجية تطبق اشتراطات صحية، لعل أن يكون ذلك رسالة توعية عملية لكل جربان.

وقد قرأت في تاريخ علمي موثق بأن الجرب داء يصيب الأغنياء والفقراء، وبأن أرسطو سماه القمل في اللحم، وبأن الرومان عالجوه بالقطران، فتلمست بذلك طريق إعذار لحالنا بعد 2500 سنة من اكتشاف هذا المرض.

أما شيخ الإسلام أبو المواهب جعفر بن إدريس الكناني الحسني فقد صنف مؤلفا عنوانه (مواهب الأرب المبرئة من الجرب في السماع وآلات الطرب) حتى لا نظن يوما بأن العلاج بالموسيقى اختراع غربي جربان.

albabamohamad@