عبدالحليم البراك

الميثاق الأدبي للواتس اب!!

الاثنين - 09 أبريل 2018

Mon - 09 Apr 2018

عندما كنا صغارا كنا نختلف، ويصل الأمر للهجوم المتبادل لفظيا وجسديا أحيانا، ثم نعود لبعضنا البعض بعد أن نتعاهد على ألا نعود لتلك الفعلة، فيعرف كل شخص منا حدوده بدون ميثاق مكتوب، هذا هو الميثاق الأدبي في أبسط تعريفاته الساذجة، هو ميثاق معروف غير مكتوب، سهل العمل به، وسهل الاعتداء عليه، سهل معرفته، سهل الرجوع له، وسهل أيضا تجاهله!

ولبرنامج الواتس اب ميثاق أدبي، نكاد نتفق عليه نظريا، لكننا نكسره يوميا بأفعالنا، تفاجأ – على سبيل المثال - بأنه تم إدخالك في مجموعة واتس اب دون إذنك، ويقال إن شركة الواتس اب أطيب منا، فصارت تطلب إذنا قبل إدخال أي شخص لمجموعة ما، وكأنها تقول «نعلمكم إن لم تتعلموا!».

ويا ليتها أيضا تضع حدا للرسائل بعدد الكلمات، فالمقالات ليست للواتس اب، بل هو للرسائل القصيرة (بعضهم يرسل كتبا في الواتس اب، ولك أن تتخيل وأنت تسأل صديقك ماذا تفعل؟ فيرد عليك أقرأ كتابا في الواتس اب!).

التنوع مطلوب في أي شخص، لكن لا يصل لدرجة التناقض، فيرسل حكمة ونقيضها خلال ساعة، وأدبا وموعظة، وبعدها قلة أدب خلال الساعة نفسها أيضا، ويرسل إشاعة ونفيها في اليوم نفسه، فالقصة ليست تحويل رسائل، بل انتقاء ومسؤولية (أقول مسؤولية!)

وقد قالت العرب سابقا «إن عقل الرجل في اختياراته» كما قد قيل من قبل، ولعل عقول بعض الناس (سمك لبن تمر هندي)، وبعضهم لما يرسل رسالة تركض لتراها فهو لا يرسل إلا مميزا كشخصه الكريم اللطيف.

ومن ميثاق الواتس اب الأدبي أنه قد يقرأ أحدهم رسالتك فهو في وضع يستطيع أن يقرأ ولكنه لا يستطيع أن يرد، فلا تغضب لأنه قرأ ولم يرد، فأنت لا تعرف ظرفه الحالي، ولسان حاله «دع عنك عذلي يا من كان تعذلني.... لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني»، لكن مخز جدا أن تطلب من أحدهم أن يفتح رسالتك وأنت لا تفتح رسائله، وتطلب منه قراءة رسالتك والرد عليها، وأنت لا ترد على رسائله، فما تحبه لك أحبه لغيرك!

والواتس اب شأن اختياري في النهاية، فليس فرضا على كل موظف أن يفعل هذه التقنية إلا بمحض إرادته، وحل هذه المعضلة سهل للغاية، فما دام يستخدم وسائل الاتصال الرسمية مثل الإيميل فإنه ليس مضطرا للواتس اب إن كان على تواصل مع إيميله أثناء الدوام. وثمة أمر آخر سريع الحل، وهو سياسة فرض الأمر الواقع، فمن لا يرد عشر مرات لا يتوقع منه الرد في المرة العشرين!

ومن آداب الواتس اب احترام اللغة العربية، فاللغة العربية تئن وتصيح من أنها صارت غريبة، حتى إن بعض الجمل من أولها لآخرها عامية، ولم أتكلم بعد عن الإملاء لأنها ماتت وانتحرت في الواتس اب!

أما وقت الإرسال فإنه حكاية أخرى، فعند بعض الناس الثانية ظهرا مثل الثانية فجرا، وبعضهم الساعة الخامسة عصرا كالخامسة فجرا، بل إن بعضهم وضع جهازه بجوار رأسه نائما يقول: لي أبناء مراهقون أو مرضى يحتاجونني عن طريق هذا البرنامج، فيفاجأ بمن أرسل له نكتة في منتصف الليل عن فيل تزوج عنزة!

أخيرا تفعيل ميثاق الواتس اب الأدبي كفيل برفع ميثاق الأدب العام في حياتنا العامة، وإلا فلا نامت أعين «الواتس» ومستخدميه!

@Halemalbaarrak